|
|
|
الليبرالية والتطور
...أو كل الأشياء الجيدة التى تناقض
الديموقراطية وحقوق الإنسان !
Liberalism and
Evolution
…or All the Good Things That Contradict Democracy and Human Rights!
| FIRST | PREVIOUS | PART I | NEXT | LATEST |
NEW: [Last Minor or Link Updates: Monday, June 23, 2014].
April 21, 2002: Though it was one of our simplest predictions for years and years, it’s still A HISTORY MADE, MADE AND MADE: Something ‘right’ in France for the first time in centuries!
March 1, 2002: The big lesson from the big master: THINK BIG! …Once again you should make a good guess!
January 30, 2002: The Fascists Are Coming! The Fascists Are Coming!
January 28, 2002: A Human Rights conference in Cairo. A joke or what?
January 1, 2001: Egypt puts safety belt on!
November 8, 2000: Thanks to democracy, Islamic butchers win 18 seats in the Egyptian Parliament. Also, what about the equally danger tolerance with other big mob ideologies?
October 26, 2000: General Pinochet —The Last of Great Builders, a new section dedicated to one of the greatest liberal reform endeavors in the Third World [partially in English].
ê Please wait until the rest of page downloads ê
الحرية والقدرة وجهان لعملة
واحدة : التطور Freedom and Power a Double-Faced Coin: Evolution
لا شك أن خبرات وقدرات –ومن ثم حقوق– الإنسان
الحيوانية ( سمها الفردية أو الشخصية لو وجدت الكلمة المستخدمة مؤذية لأذنك
المرهفة ! ) ، هى شىء عمره 4 بليون سنة من التجربة
والتطور ، وهى شىء يجب أن يكون مكفولا له بلا أى قيود سوى ما تفرضه آليات
صراع التطور والانتخاب الطبيعى المعروفة فى حدود ما يتوافر للكوكب من موارد وفرص
للحياة ، أو بمعنى آخر هى حرية مطلقة بما فيها حق أن تأكل وأن تؤكل .
والديموقراطية هى الحل الذى توصل إليه الكثير من
البشر على مدى القرون الماضية باعتباره الوسيلة السالمة للوصول لمحصلة الأفكار
والمصالح والصراعات المختلفة التى يتكون منها المجتمع أو الجماعة . على أن
ازدهار الديموقراطية وإيجابية ثمارها ارتبطت بالبيئة القروية التى نشأت فيها .
هذا ما حدث بالضبط فى البلدات الأميركية الصغيرة الناشئة حيث الكل يعرف نفس
الأشياء واكتسب نفس الخبرات ، وكان طبيعيا أن يكون لهم أصوات متساوية عندما
يجتمعون مساء يوم الأحد فى قاعة البلدة . والطبيعى بالتالى أن ينتصر صراع
المصالح الفردية ليحقق الأفضل للمجتمع ككل ، كما قال آدم سميث يوما .
لكن ما حدث أن اتسعت المجتمعات ودخلتها التقنيات
الحديثة ، وتفاوت مستوى المعارف بين أعضائها . كما ثبت بالممارسة أن
الديموقراطية آلية نادرا ما تنتصر للحرية والقدرة وهما الجوهر الذى يدور حوله
التطور ، حيث عادة ما يتم التلاعب من خلالها بعقول وعواطف جموع الناخبين من
أجل فرض القيود والتخلف والرحعية والجمود ، أو ببساطة كل ما هو ضد مسيرة
التطور . السبب الحقيقى وراء هذا المأزق الديموقراطى أن
القدرات ومن ثم الحقوق العقلية للإنسان هى شىء عمره عدة آلاف من السنين فقط ومن
ثم لا يزال محل شكوك كثيفة ، لا سيما بعد أن أصبح لدينا فى المجتمع الحالى
فائق الاستعقاد والتعقيد من القرارات الكثير مما لا يفوق فقط تلك عقول الشعب
التى يرجع إليها فى اتخاذ القرار بل ويفوق حدود المتخصصين أنفسهم إن لم يكن قدرة
الآلة البشرية بمجملها ويتضرع لاستجلاب آلات أخرى أكفأ وأعقل .
فى مقابل مفهوم الديموقراطية هناك مفهوم الليبرالية
وإن كان كثيرا ما ينظر للمفهومين كشىء مترادف تقريبا . هذه الصفحة ستحاول
فك هذا الالتباس بإثبات العكس أى بوجود تباين بينهما إن لم يقفا على طرفى نقيض
فى أغلب الحالات . المفارقة التى ننطلق منها بكل الأسف أن لليبرالية جناحان
الجناح الاقتصادى والجناح الاجتماعى ، والمفارقة أن هذين الجناحين بديا
دوما على طرفى نقيض ، فنجد أحزاب اليسار ( كالحزب الديموقراطى فى
أميركا ) يتبنى الشق الأول ويقاوم التحرر الاقتصادى ، بينما اليمين
( ومثاله فى تلك الحالة الحزب الجمهورى ) يتبنى الليبرالية الاقتصادية
لكن يبدى فى نفس مواقف بالغة الرجعية بل ومتدينة صريحة أحيانا فيما يتعلق
بالليبرالية الفردية والشخصية ( أو الحيوانية لو شئت الدقة فى مدلولات
المصطلحات ) . هذا الفاصل يظل أحد الألغاز الكبيرة التى لم ولن نفهمها
أبدا ، ولا نعتقد أننا ننفرد بمثل هذا عدم الفهم والأمثلة كثيرة وإن كان
أحد أشهرها وأكثرها درامية رسالة آن رايس ( مؤلفة كتب وفيلم مقابلة مع مصاص
دماء ) المفتوحة للرئيس بيلل كلينتون فى أغسطس 1996 أثناء حملة إعادة
انتخابه والتى قالت أنها ستنتخبه تأكيدا لأنها ليبرالية وديموقراطية مثله لكنها
تطالبه أن يتبنى مواقف اليمين ممثلا فى المرشح بوب دول آنذاك فى تخفيض واسع
للضرائب والحد من برامج الرفاه الاجتماعى التى لا تؤدى إلا لتشجيع الكسالى على
كسلهم . وهى تجسيد جيد لذلك التناقض رغم نبرتها الخاصة فى السخرية من
اليمين .
نضرب المثل بآن رايس لأنه معاصر وحقق شهرة
كبيرة ، لكن لو شئنا من هم أشهر حقا تاريخيا ،
ومن الأكثر تجذرا فى تأصيل هذا الفكر ، فربما لن نجد من هو أفضل من آين رايد ( مؤلفة
’ رأس النبع ‘ 1943 —لعلك قرأت مراجعتنا المطولة لفيلم جارى كووپر فى
كتاب دليل الأفلام واستشعرت كم هزنى
شخصيا من الأعماق يوم شاهدته لأول مرة ، وكذلك رواية ’ أطلس الأكتاف
المهزوزة ‘ 1957 ) . فى الأولى قدمت مهندسا معماريا وفى الثانية
مجموعة صناعيين ، كلهم لامعون وكلهم يتحدى الغثاء الشعبوى السائد .
الكلمات الثلاث التى طالما دافعت عنها رايد ( بالذات فى الكتاب إن الليبرالية ونقصد بها الليبرالية الحقة بمعناها الدارونى أو ليبرالية الأدغال لو شئت ، تجمع معا شقى الحريات الفردية المطلقة والحريات
الاقتصادية المطلقة ، هى مفهوم متماشى لأبعد حق مع حقائق الطبيعة وقوانينها
وقوى الانتخاب الطبيعى فيها . الليبرالية تعنى الحرية والقدرة وهما الجوهران التى
تدور حولهما كل قوانين التطور وآلياته ، وهى تأكيدا أرحب بكثير من فكرة
الديموقراطية السياسية وهى مفهوم ضيق بل وغير طبيعى أى ذهنى محض من اختراع
العشيرة الإنسانية وبالتالى حفته المتناقضات والمآسى منذ فجر التاريخ وحتى
الآن .
الصراع فى جوهره ليس بين
أيديولوچيات يمين ويسار ، إنما بين بناء وقطع طريق ، بين كفاح
وديماجوچية . دائما أبدا الاقتصاد شىء يبنيه اليمين ويسطو عليه اليسار
ويصدر الحكم ببراءة السارق قاض فاسد اسمه الديموقراطية . هذه هى محنة
البنائين منذ عرف العالم كلمة ديموقراطية . الديموقراطية سيارة بمقود ذى
انحراف ثابت إلى اليسار . باعتبار أن الضرائب هى السؤال الأساس الذى تدور
حوله الأحزاب والانتخابات ، فإن الديموقراطية ‑بحكم أحجام كتل من لهم
حق التصويت‑ تميل تلقائيا لتحويل الاقتصاد نحو الاشتراكية ، لتغليب
قرارات هى فى صالح الطبقات الشغيلة ، على حساب أصحاب البيزنس الكبيرة أو
حتى الصغيرة منها . والخاسر دائما هم البناءون ، الرأسماليون والطبقة
الوسطى ، الذين ينهب كدحهم لصالح الطبقات الأدنى . هذا لا يشتغل فى
صالح التنمية ، بالأخص بعيدة المجرى منها . ويميل بالاقتصاد ككل نحو
الاشتراكية ، وهى تجربة معروفة بأنها تؤدى للفقر للجميع والفشل
المحتوم . صحيح أنه عندما يحدث هذا سيعيد النظام الانتخابى الأحزاب
المعادية لفرض الضرائب ويبدأ انتعاش البيزنس من جديد . لكن الدورة نفسها
ستؤدى لنهب هذا النجاح مرة أخرى لصالح الفاشلين والكسالى . ذلك يسمى
فواقد . والفواقد لا يجب السماح بها فى مجتمع يحترم العلم أو على الأقل
يحترم نفسه . بكلمة واحدة هذه الصفحة سوف تكون مدافعا عتيدا عن
مبدا أن الليبرالية لا تتجزأ . ومن ثم سوف تظل مخلصة لأبعد مدى للغرض الذى خلقت من أجله وهو
حق كل فرد فى أن يحيا حياته الخاصة كما يشاء دون أى تدخل من الآخرين .
ومبدئيا هذه الصفحات لا تنكر على الإنسان قيمه النبيلة ومزاياه التى ينفرد بها
كانفراد أو تشابه أى عشيرة بيولوچية أخرى فى بعض الصفات الجميلة ولا بد من
الحفاظ عليها جميعا قدر الإمكان فى إطار التنوع والثراء البيئى والبيولوچى
للكوكب . لكن التضحية والشفقة والحب إلى آخر تلك المشاعر النبيلة لا يجب أن
يصبح لها باسم الديموقراطية أو غيرها حق تقييد أمور العلم والتقنية والاقتصاد
وقوانينها ميتافيزيائية الحتمية ، أو أن تصبح عائقا لمسيرة التطور فى كوكب
الأرض التى بدأت قبل الإنسان ببلايين السنين وستستمر بعده بداهة ، هذا هو
الحد الفاصل الذى قصدناه وعلى الأقل تماما لا يجب أن تصبح تلك العواطف لعبة فى
يد الساسة الفاسدين أو قصيرى النظر يحققون من خلالها أطماعهم الضيقة
الأنانية . فى هنا نحن نؤمن مرة أخرى بالحرية المطلقة إذ أيضا ليس من حق العشيرة البشرية مصادرة المستقبل وحرية العشائر القادمة . إن الحرية والتحررية شىء والديموقراطية شىء
آخر . وآخر أعظم مثال يتجسد فيه
هذا التناقض بصراحة درامية ، هو الچنرال العظيم أوجيستو
پينوتشيت . فقد أقام نهضة اقتصادية هائلة فى تشيلى بناء على قيم
الاقتصاد الحر ، بل مطلق الحرية ، بل معدوم النظير من حيث
الحرية ، بما فى ذلك حرية الاقتصاد فى أميركا . هذا الديكتاتور يتحتم
قطعا اعتباره أحد أعظم الليبراليين فى التاريخ ، وليس من المفارقة بالمرة
أن نصدر بحثنا هذا بصورة أمسكت بتلك اللحظة التاريخية من يوم 11 سپتمبر 1973
التى استولى فيها على السلطة ، وأزاح الحكم اليسارى الذى جاءت به
الانتخابات ’ الديموقراطية ‘ ، لكنه كان سيهوى بالبلاد حتما
لدائرة الفقر والتخلف . ولمجرد العلم هذه الأخيرة ‑أى الديموقراطية‑
كنظام سياسى لاتخاذ القرار هى النظام الوحيد الذى لم يختلف الفلاسفة دونما
استثناء واحد على أنه الأسوأ من أى بديل سياسى آخر أيا ما كان ( ربما وجد
مؤخرا جدا فقط من يناصره بعد أن لم يعد للفلسفة فى القرن العشرين سوى شاغل واحد
هو إشكالية الديموقراطية واختزلت نفسها بالتالى إلى مجرد أحد فروع علم
الاجتماع ) . فالجميع يعلم أنها شىء يبدأ دوما بافتراض أن هناك شعبا
قد أصبح ناضج العقل وينتهى حتما بدولة ثيوقراطية إن آجلا أو عاجلا .
التاريخ يقول هذا بدءا بأثينا وروما القديمتين اللتين أفضتا للدولة المسيحية
التى دشنت عشرة عقود كاملة مما سمى تقليديا بعصور الظلام ، وانتهاء
بالولايات المتحدة الحالية والتى تقول مؤشرات كثيرة أنها تسير بثبات لا يمكن
الآن حتى وصفه بالبطئ نحو مثل هذا التحول ، فما بالك بدول أصغر وزنا وأشد
هشاشة ثقافيا بكثير ، كالتى تختطفها ديماجوچية المتطرفين الإسلاميين .
أو خذ مثالا بسيطا اليمن وعمان فى الستينيات . كلاهما كان بلدا يعيش عصور ما قبل
التاريخ ، ولا نقول حتى العصور الوسطى . واحد فرض عليه القرصان الأكبر
ناصر الريچيم الجمهورى فلا زال حتى اليوم يرفل فى حياة قبل التاريخ ( دع
جانبا ديماجوچية التسافل على الآخرين ) . فى عمان طورت الملكية نفسها
بسرعة ، وصنعت فى عقود قليلة بلدا متقدما متحضرا ثريا عضوا فى مجلس التعاون
الخليجى ، يلهث اليمن لاستعطافه دون جدوى .
نعم ، قد تفقد الأرستقراطية
الرؤية أحيانا ، بل حتى قد يصاب الملوك بالخبل أحيانا . لكن هذا شىء
وأن تعطى السلطة للدهماء شىء آخر . حكم الصفوة قادر دوما على تصحيح نفسه
طوال الوقت ، لكن النظام الجمهورى أو ديكتاتورية الدهماء التى تعرف أيضا
باسم حكم الشعب أو الديموقراطية ، هى فقط غباء أبدى لا يمكن علاجه أو
التراجع عنه . والسبب واضح لكل الأعين وهو الفجوة بين إدراك عموم الناس
للأمور ، وبين الاستعقاد الأعلى كثيرا للمعرفة العلمية والتقنية
والاقتصادية …إلخ ، فى أى عصر أو أى مكان معطى . مهما ارتقت أو نضجت
الشعوب ، فستظل دوما ثمة فجوة كبرى بينها وبين المعرفة العلمية والتقنية
لذات العصر . من هنا لن تثمر الديموقراطية فى أى مكان أو زمان ، إلا
شد المجتمع للوراء . إنها شىء لا يجب السماح به أبدا فيما هو فوق مستوى
البلديات ، أو الأمور الأقرب للحريات الشخصية . عدا ذلك يجب أن تكون
السلطة مطلقة للعلماء والشركات والآلات الذكية . نقول هذا ونعلم يقينا أن الرأى
السائد عن كون الديموقراطية هى النظام الأمثل على أى حال فى ظل المعطيات
البشرية . طبعا لا يمكن إنكار إنجازات تمت فى ظل الديموقراطية فى العالم
الغربى ، وطبعا يعدها الكثيرون من إنجازات النظام الديموقراطى نفسه ،
لكننا نود فقط وضع هذا الرأى فى إطاره الصحيح :
أولا : إن هذا النجاح النسبى
فى ظل الديموقراطية يرجع لأن هناك غالبية من ’ العقلاء ‘ فى تلك
المجتمعات يحد من مثالب الديموقراطية ، وطبعا هذا غير متوفر أصلا فى
المجتمعات الأقل نضجا . ثانيا : الديموقراطية تظل
مناسبة للمجتمعات الريفية المتجانسة فى مستوى المعرفة كما قلنا فى صدر هذا المدخل .
أما فى مجتمعاتنا الحضرية المعاصرة ، فلا يجب أن يسمح بالديموقراطية فيما
هو فوق مستوى البلديات ومع ضمان عدم انحرافها بواسطة بعض المحرضين لدس الأنف فى
قرارات المستوى السياسى عالية المعرفية ، فهذه فقط من اختصاص العلماء
والشركات والآلات الذكية . ثالثا : إن كل هذا لم ينف
المثالب وسوء الاستغلال واللعب بالعواطف فى أى وقت قط . رابعا : أن الوقت ليس فى
صالح هذه الديموقراطيات الناضجة نفسها ، بعد ثورة الاتصال والإعلام التى
أدت لتسطيح عمليات الاختيار وحصرها فى عوامل كالوسامة واللباقة وليس المحتوى
البرامجى . والكل فى طريقه ‑إن آجلا أو عاجلا‑ لإدراك أن
القرارات الستراتيچية أخطر ، ناهيك عن كونها أعقد ، من تترك فى يد
الشعوب لتبدى الرأى فيها . خامسا : هذه ليست إنجازات
الديموقراطية ، بل إنجازات تمت تحديدا بالسباحة على العكس من تيارها .
لم تقم مظاهرة واحدة تأييدا لاختراع القطار أو ماكينة الغزل ، أو تحية
لچنرال إليكتريك أو مايكروسوفت . العكس فقط هو ما يحدث .
بإيجاز : قيل دوما إن الديموقراطية تعطى الشعب
الحكومة التى يستحقها . ما
نريده الآن الحكومة التى يستحقها الكوكب وليس مجرد ما تستحقه الإنسانية . هنا تكمن المواجهة الكبرى ، والتحدى الأعظم لعصر حضارة ما بعد‑الإنسان : من أجل الحصول على
حكومات أفضل يتحتم قمع الشعوب نفسها . ولو دعنا جانبا الصراع داخل الولايات المتحدة
باعتباره معركة شرسة وطويلة الأمد زائد بالطبع الوضع فى الاعتبار عراقة التجربة
الديموقراطية وإنجازاتها التاريخية ، فإن المؤكد فى البلدان الأقل تقدما أن
الحريات الشخصية تموت من فورها إن اختلط مفهومها مع ما يسمى بالحرية السياسية
ذلك أنها أول ما يقتله الغوغاء فى مزادهم الأخلاقى إن امتلكوا فى أيديهم هذه
الأخيرة وسعوا بها إلى السلطة . ربما لا يملك المرء الكثير من الحجج ضد
ضرورة وجود العبيد على الأقل من منظور دارونى محض ، لكنه يعترض بالضرورة
عندما يصبح المطروح هو حكم العبيد . فى كل الأحوال لا نعتقد أننا يجب أن
نغامر بالتفريط فى مغزى إجماع الفلاسفة بأن حكم العقل وليس حكم الشعب هو النظام
الأمثل رغم علمنا -وربما علمهم- أن ذلك لا يكاد يتحقق فى المجتمعات البشرية سوى
بالصدفة السعيدة وحدها تقريبا !
لو أردنا أن نكون أكثر تحديدا وخضنا فى بحث ما يحب وما
لا يجب حظره ، يتحتم أن نطرح هنا مفهوم ما يمكن تسميته أيديولوچيات الدهماء الكبرى هى الأفكار التى طالما لعبت على غرائز العامة لا على عقولهم ،
وهى ليست رأيا بمعنى الكلمة بقدر ما هى مجرد محاولات سهلة للوثوب للسلطة عبر
التحريض وإلغاء العقل أو التعويل على ضعف عقل من يستهدفه التحريض ، أساسا
من خلال أفكار تشعل فى بسطاء الناس الإحساس بالكرامة أو القوة أو التعويض أو التفرد .
أيديولوچيات الدهماء الأكبر
والأخطر هى تلك التى قاعديا فكر مصادرة يلغى الغير ويفرض الرأى ويمكن حصرها
أساسا فى رباعى الدين والشيوعية
والقومية والوطنية ، وفى العقد الأخير بالذات أصبح
الدين هو أخطرها كوسيلة منخفضة التكاليف سريعة العائد لتحقيق المآرب
السياسية ، ناهيك عن أنها لم تعد ذلك التدين المسيحى البسيط الحالى الذى
يعرف فيه الناس الكنيسة يوم العماد ويوم الموت ، وأحيانا يوم الزواج ،
وينصرفون بقية عمرهم لأنواع أفيون الدهماء الأخرى ، بل ذلك التدين الإسلامى
الذى يستغرق اليوم كله فى خمس صلوات وقراءة النصوص بقية النهار . الكنيسة
نادى اجتماعى للدردشة والاستمتاع بالحياة والتزاوج داخل الزواج والأكثر منه
خارجه ، وككل لم يعد لها بالدين علاقة تذكر . أما المسجد فهو معسكر
لإعداد المقاتلين ، بكل معنى الكلمة ، لا يعطى متعة ولا حتى تعزية .
بالطبع ينشأ هنا سؤال تلقائى باسم الحرية ،
ألا وهو وأين الحرية الدينية ؟ والإجابة بكلمة : فى القلوب
( قلوب الدهماء طبعا ) . فالدين بما أنه فكر مصادرة لا يجب أن
يسمح له بأن يكون علنيا ، وهذه آخر الحدود التى يمكن أن يسمح بها مجتمع
ينشد الحرية بالنسبة لفكر مصادر للحرية . جميع هذه الأيديولوچيات يهدف
الانتهازيون الذين يتبنونها الوصول من السلطة على أكتاف الدهماء من
خلالها ، بعدها يوقفون مسيرة التطور ، بتغليب الكراهيات الإقليمية
وعزل المجتمع المطلوب الانفراد بنهبه ، أو تغليب أيديولوچية معادية علنا
للتقدم كالدين ، أو حتى مصادرة مبدأ الصراع نفسه علنا كما تفعل الشيوعية . تلك الاتجاهات الجمهورية الأربعة ، يجب أن
تضاف لها نسخة الأيديولوچية الجمهورية كما يعرفها الغرب ، ألا وهى الديموقراطية . وهى
أيضا أيديولوچية دهمائية تشتغل بنفس آلية تدليك الغرائز واللعب على عواطف
وانفعالات عموم الناس ، والبث المتواصل للپارانويا لديهم ، وتحريضهم
ضد كل ما هو مجهول أو حتى كبير ، كالعلم والتقنية ، وكالمؤسسات
والشركات والدول الأكبر …إلخ ، وتصويره كمؤامرة للأقلية الثرية الغامضة ضد
حكم الشعب . مع ذلك يظل هناك فارق واحد ، هو أنه يفترض ‑ولو
نظريا على الأقل‑ أن الديموقراطية تحترم رأى هؤلاء العموم من خلال صناديق
الاقتراع ، بينما الدين
والشيوعية والقومية والوطنية ، هى أيديولوچيات جمهورية بالاسم فقط ، ذلك أنها ديماجوچية كلية ، تنوب الأقلية المهيمنة فيها
عن شعوبها فى اتخاذ جميع القرارات .
فيما عدا الخماسى المذكور من المحتمل أن تتواجد
مستقبلا أيديولوچيات دهمائية مدمرة أخرى مستقبلا . من المرشحين لهذا مثلا أيديولوچية حماية البيئة ،
بالطبع فى حالة تبنى الدهماء لا العلماء لها ، على الأقل لكونها أيديولوچية
شمولية تصادر المنافسة والتطور . وفى تلك الحالة قد تكون خطرة جدا أيضا وإن
لم تستفحل واقعيا بعد ، وجبهتها المتقدمة التى تستحق الرصد هى ألمانيا فى
ظل الحكم الاشتراكى المتحالف مع حزب الخضر ومن الجائز أن تصل يوما لدرجة الخطر
الفعلى على الحرية ومسيرة التطور الدارونى لهذا المجتمع . على أنه ليست كل أيديولوچيات الدهماء أيديولوچيات
سيئة . فالتحفظ هنا أن ليست كل أيديولوچيات الدهماء فكر مصادرة
وتضليل . ففى المقابل هناك أيديولوچيات دهمائية أخرى مثل إدمان الخمر قديما أو
كأيديولوچيات الستينيات مثل الحرية
الجنسية وتناول العقاقير .هذه الحزمة لا تسعى
لتقييد الحرية ولا يكاد يوجد أى ضرر منها على مسيرة التقدم الاقتصادى
والتقنى ، بل بالعكس هى أيديولوچيات بناءة بمعنى أن إذا كان لها بعض المضار
أحيانا فإنها تعود على معتنقيها وحدهم . وبالطبع هذا الإيذاء هو تخليص
للمجتمع من ضعفاء العقل والقدرة فيه ، ومن ثم هو تقوية له ككل ،
وإنفاذ لآليات الانتخاب الطبيعى والتطور فيه .
إن جزءا لا يتجزأ أصيلا من الحرية هو حرية إيذاء
النفس ، هذا يشمل الإدمان والانتحار . ويتملكنا العجب كل العجب من أن
لا تنادى بها منظمات ما يسمى بحقوق الإنسان ، وإن كان من منظور اقتصادى محض
هى أمور مفيدة للغاية . ذلك من حيث تقليل عدد السكان بوسيلة غير قسرية بل
وتطورية حيث يذهب ضحيتها الضعاف فقط انتحارا أو إدمانا ، أو من حيث أن أى
اقتصاد لا يمكن أن يتحمل التكاليف الهائلة للتأمين الصحى للعلاج من إدمان
العقاقير ، أو من حيث أن الخاسر
الوحيد لإباحة العقاقير هو تجارها ومهربيها إذ ستنخفض أسعارها بحدة ،
والكاسب الوحيد من تناولها هو المجتمع الذى سيخسر ضعاف عقوله . إنها حرب
خاسرة لا محالة ، والحل فقط أن يعرض كل شىء للبيع فى الصيدليات وفى لحظة
ستنخفض الأسعار وسيفلس التجار ، والأهم : فى لحظة سيصبح التعاطى
مسئولية كل متعاطى ( لعلك تذكر موضوع الإيكونوميست التاريخى الذى ألب
الجميع فى مطلع التسعينيات لأنه كسر الحاجز النفسى للتفكير حول هذه
القضية ) . وطبعا لا يجب أن ننسى أن كل شىء كان محرما من قبل ثم أصبح
مسموحا ، الشاى ، البن ، التبغ ، حتى الكحول كان محرما فى
أميركا نفسها حتى عقود قليلة . هكذا البشرية ، تاريخها كله تاريخ
محرمات تصبح مسموحات فى نهاية المطاف ! الأسوأ أن نرى حاليا محاربة التدخين وقد باتت نوعا من
الدين يتبناه البعض ويزداد هوسا يوما بعد يوم . كأى هوس دينى هو لا يقلل
أعداد العلمانيين بل يزيدها ، والمشكلة فقط أنه يحول فكرة محاربة التدخين
عن جوهرها الليبرالى والعلمى الجدى ، وهو أن قتل النفس بالتدخين هو حرية مطلقة ،
لا يحاسب عليها إلا مرتكبها لا الشركات ولا ما يسمى أصدقاء السوء ولا أحد ،
وأن الحق الوحيد لغير المدخنين هو فقط ألا يجبروا على التدخين السلبى
إجبارا . ببساطة إن حق الإنسان فى تناول
ما شاء وقتما شاء وأينما شاء ، هو حق شخصى حيوانى وأصيل ولا يجب أن تدس الحكومات
أو التشريعات أنفها فيه على أى نحو من الأنحاء . هذا كله شىء وكون العقاقير تشبع
حاجات حقيقية عند بنى الإنسان شىء آخر . التى متى تظل العقاقير الشىء الذى
يكرهه الجميع إلا الناس ( عبارة قيلت فى الأصل عن فيلم صوت
الموسيقى ! ) . لسنا أوصياء على المدمنين ، كلنا يعرفهم عن
قرب ويعرف أن غالبيتهم أناس رائعون ناضجون يعرفون جيدا ما يفعلون ، بل
ومنهم حفنة من أهم المبدعين فى تاريخنا المعروف ، أناس يعرفون مخاطر ما
يفعلون ، وراضون تماما عن خيارهم ، عن استخدامهم أو استهلاكهم لحياتهم
بهذه الطريقة ، وليس من حق أحد فى كل الكون أن يسلبهم من مثل هذا
الحق . كقانون من قوانين أمنا الطبيعة يتبناه موقعنا على طول الخط ، لو أدرتم حلا لمشكلة
خلقتها الحرية ، فالحل المزيد من الحرية ، ولو أردتم حلا لمشكلة
خلقتها التقنية فلا حل إلا المزيد من التقنية . والحل لكل مشاكل
العقاقير ، أن ننزع الحق فى تصنيعها من أحراش كولومبيا وجبال
أفجانستان ، ونذهب بكامل الملف للمكان الوحيد الصحيح : مختبرات فايزر
وجلاكسو-ويللكام . هؤلاء سيخترعون لنا عقاقيرا مأمونة تحقق الحالة العقلية
الرائعة التى تمنحها لها المخدرات والمنشطات الحالية ، لكن بدون أعراض
جانبية تذكر ، وبدون حتمية إدمانها بلا عودة . [ تابع موضوع العقاقير فى
صفحة ما بعد‑الإنسان ، وكذا
هنا بالأسفل ،
أيضا هناك أيديولوچية العنف أو الرياضة !
هى ممتدة وفعالة للغاية منذ أيام الكوليسيام حتى
الأهلى والزمالك ، وليس مستغربا بالمرة أن كان أول اهتمام للدولة المسيحية
الأولى أن ألغت الألعاب الأوليمپية لأنها أيديولوچية منافسة تسعد الناس ومن ثم
تهدد فى مقتل برنامجها للسيطرة على الدهماء الذين استولت باسمهم على
الحكم . هل تعلم لماذا تستقطب ملاكمة الوزن الثقيل عشرات الملايين من
الدولارات ؟ هل هى أكثر فنا من وزن الريشة مثلا ؟ إطلاقا ! إنها
فقط الأكثر عنفا . نعم ، الرياضة لا تزال أيديولوچية قوية للغاية
واضطر الدين للتساهل نسبيا بشأنها رغم أنها أيديولوجية دارونية صديقة–للحضارة civilization-friendly
إن جاز التعبير ، ويجب الاهتمام بها دائما أبدا .
لكنها ليست أروع من أن تكون مزيجا من العنف والجنس ، بالإضافة للمهارة
الرياضية ، المصارعة النسائية مثلا ، كرة القدم النسائية مثلا ،
ناهيك طبعا عن التنس النسائى ، الذى منذ فجره المبكر كان معبدا للجمال والفتنة .
[ اقرأ المزيد عن موقف المسيحية من الألعاب الأوليمپية فى صفحة العلمانية ، وفى صفحة الفن الجماهيرى المزيد عن تداخل الرياضة
والجنس ومجموعة أخرى من صور بطلات التنس الفاتنات . أيضا المزيد من صورهن
بعد عودة الفاتنات للصدارة واندحار السوداوات الدميمات ، فى الجزء الرابع من صفحة الليبرالية هذه بتاريخ 2
يوليو 2011 ] . … ماذا إذن عن حقوق
الإنسان ، كما يتحدثون عنها عادة ؟ نعم ، إن قتل أطفال الشوارع بواسطة
الشرطة البرازيلية هو فعل بشع ، لكن المشكلة أن تركهم يحيون هو فعل
أبشع ، سيؤدى لاغتصاب آلاف الفتيات الواعدات ونهب آلاف المتاجر والبيوت
الآمنة وقتل آلاف الأشخاص الناجحين . مع ذلك المشكلة قد تكون أعمق من هذا التحليل
الإحصائى البسيط من مراكز الشرطة . ربما التناقض الذى أشرنا له والخاص
بحقوق الإنسان ومواثيقها العرجاء يرجع فى جزء منه لعبثية النظام الدولى الذى نشأ
بعد الحرب العالمية الثانية والذى خضع لتسلط الدول الصغيرة ذات الحق فى التصويت
على كل شىء بل وأحيانا لرغبة الكبار ’ الديموقراطية ‘ أحيانا
و’ الاشتراكية ‘ أحيانا أخرى ومفرطة التسامح دائما فى منحها هذا
الحق ، وفى كلتا الحالتين هى ليست بأقل من معوق حقيقى لإنطلاقة الكوكب
التطورية . وحالة حقوق الإنسان مثال كلاسى للمعايير المقلوبة فى منظمة تسير على رأسها فى كل
شىء . الحقوق الحيوانية
للإنسان ، مثل حق الحصول على الممارسة الجنسية ، حق اختيار الميل
الجنسى ، حق الأطفال فى مشاهدة كل المواد الثقافية كل الأفلام
وغيرها ، حق تناول العقاقير والخمور ، حق الإجهاض ، حق
الانتحار ، حق الاقتتال المنظم كمبارزات
الأفراد والرياضات المميتة …إلى آخر الحقوق الشبيهة ، كلها حقوق لم تقر قط
إلى اليوم ، ويتواطأ الجميع لقمعها تحت مسمى الخصوصية الثقافية
والدينية ، رغم عمرها السحيق والأصيل فى التاريخ البيولوچى للكوكب .
نعم ، نحن لا نكف عن القول إن البشر بهائم
بالأساس ، لكن نعم نضيف ، إن للبهائم حقوق ، وإننا مستعدون
للدفاع عن حقوق البهائم ‑بشرا وغير بشر‑ حتى آخر المشوار ، إلا
أن ما يسمى بحقوق الإنسان قصة أخرى ، قصة جوهرها النصب والابتزاز وسلب
الحريات الفطرية للكائن البشرى . إنهم لا يسعون أصلا لكفالة تلك الحقوق الحيوانية
لنا ، بل يضفون الشرعية على مصادرتها ويخترعون لهذا مسميات مثل الخصوصية
الدينية والثقافية كما قلنا . هكذا بمعنى أنه عندما يقصد بحقوق الإنسان
حقوق الإنسان فعلا ، يصبح القهر مشروعا فى نظرهم . المفارقة المثيرة
للعجب أيضا ، أن كان أول ما فكروا فيه الحقوق العقلية لكائن آخر صفة ممكنة
له هى العقل . ثم بعد 28 سنة كاملة بعد صدور هذا المسمى بالإعلان الجامع
لحقوق الإنسان سنة 1948 ، جاء دخول ما يسمى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية حيز التنفيذ سنة 1976 . ورغم أنها حقوق بيولوچية أو
ذات ارتباط جيد بالبيولوچيا ، إلا أنها صيغت على نحو يضمن ألا تكون حدثا
سعيدا بالمرة لتشارلز داروين وقوانينه .
على نحو أعم ، دائما أبدا
هذه هى أحوال منظمة الأمم
المعدمة اليالتية الاشتراكية المتحدة ( المعروفة اختصارا أو تدليلا باسم
الأمم المتحدة ) ، والمنظمات المشايعة لها : هم يتحدثون فقط
عن الحقوق السياسية والسلطوية . تلك ليست حقوق إنسان من الأصل . إنها
حقوق الآلة وحقوق العلماء . حقوق الإنسان ، حقوق
الإنسان ، ماذا عن واجبات الإنسان ؟ أليس من واجبه الانصياع لما
يرتأيه من هم أذكى وأعلم منه ؟ ببساطة هم يتحدثون عن حق واحد ، حق أن
يحكمك الشيوعيون ولا أحد إلا الشيوعيين . نعم أعد قراءتها فستجدها مصممة
لهذا الغرض بدقة مدهشة : كفالة وثوب المعارضين اليساريين للسلطة وغل يد
الحكومات فى منعهم ( ربما فقط مؤخرا جدا وبعد انتهاء الحرب الباردة وتراجع
الحلم الشيوعى ، بقت النصوص كما هى لكن عدل التطبيق فى بعض البلدان
ليصبح : الحق فى أن يحكمك الإسلاميون ولا أحد إلا الإسلاميين ‑وفى مقام
آخر وقول آخر العروبيون ولا أحد إلا العروبيين ) . أما حقوق الإنسان
الحقيقية البسيطة الفردية والحيوانية فهم لا يتحدثون عنها أبدا ، ويتواطأ
الجميع لقمعها كلما جاء المجال لها لترفع رأسها . لنكن أكثر صراحة : حقوق
الإنسان يمكن أن تكفل فقط للشعوب التى تتناقص عدديا ، البيض من يهود
وپروتستانت تحديدا ، أما الشعوب التى تتزايد فقد أهدرت حقوقها سلفا والسؤال
الوحيد الذى يخصها هو ما هى نسبة الإبادة الصحيحة !
دعنا نكون أكثر وأكثر صراحة فيما
يخص ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان . أليست الاشتراكية ( بما فيها ما
يسمى بالديموقراطية منها ) التى تلعب على مشاعر الناس بالتحريض من أجل
استئثار قلة فاسدة بكعكة فتات الثروة وتنتهى لتوريث الفقر للجميع ، انتهاكا
لحقوق الإنسان ؟ أليست العروبة التى لا يشغلها شىء إلا محاربة وتقتيل من
يخالفها العرق والفكر والمذهب ، انتهاكا لحقوق الإنسان ؟ أليس الإسلام
الذى يصادر الحرية الجنسية بل ويتدخل فى حريتك فى أن تأكل ما شئت وتشرب ما شئت
ثم يقتلك لو فكرت فى تغيير عقيدتك ، انتهاكا لحقوق الإنسان ؟ مع كل
ذلك لا هم لمنظمات حقوق الإنسان إلا شاغل واحد هو ضمان عدم اعتقال أو تعذيب
هؤلاء وتفصيل الانتخابات تفصيلا لضمان وصولهم للسلطة . إن هذه ليست منظمات
محايدة أو يعنيها شيئا من شعاراتها المعلنة . هم حفنة من الأيديولوچيين
الشيوعيين والعروبيين والإسلاميين ( فقط اجلس مع أحدهم وستدرك من اللحظة
الأولى أن أيديولوچية كراهية ما ، هى التى تحركه ) ، وطرف أصيل
فى معركة الوجود بين قوى التخلف ضد قوى التقدم ، ومنظماتهم ربيب أنشأته ولا
تزال تنشئه قوى الديكتاتورية والمصادرة والظلام العالمية ، شيوعية وعروبية
وإسلامية ، هذه التى لا تلقى منها بعد الوصول للسلطة إلا المداعبة اللطيفة
المزيفة ذرا للرماد فى العيون . لنتفق مبدئيا أن أحدا لا يستيقظ
فى الصباح ليقول أنا أومن بالإنسان وسأنشىء اليوم منظمة لحقوق الإنسان . كل
هؤلاء أيديولوچيون لحظة وجدوا أنفسهم خارج ما تعودوا التمتع به من نفوذ وقهر
وسلطة وسلطان على بنى ’ الإنسان ‘ ، وجدوا ضالتهم فى فكرة حقوق
الإنسان . المنظمات العالمية الكبرى الشهيرة نشأت ليكون همها الأكبر إن لم
يكن الأوحد ، الكفاح من أجل وصول الشيوعيين للسلطة فى الغرب وفى العالم
الثالث ، بينما كانت تبدى أقل اهتمام أو اهتماما شكليا للغاية أو لمجرد ذر
الرماد فى العيون ، بما يجرى من بشاعات وراء الستار الحديدى . لماذا
نذهب بعيدا ؟ انظر من يرأس منظمة حقوق الإنسان العربية ، إنه محمد
فايق أحد أركان الريچيم الناصرى القذر وأحد أخلص خلصائه فى دمويته ، ولا شك
أن الأچندة الحقيقية لهم كحزب سياسى متنكر هو عودة القمع العربجى لكل مكان من
جديد . ببساطة : أنت حين تقصى رموز القمع والإرهاب من السلطة فإن ما
يفعلونه هو تأسيس منظمة لحقوق الإنسان ! العربجية والإسلامجية هم محدثون
فى هذه اللعبة ، فالأصل كما يعلم الجميع ، أن هذه المنظمات كانت من
بنات أفكار قوى اليسار العالمى ، أنشأتها أصلا لحماية المعارضين الشيوعيين
وبهدف غائى هو قلب ريچيمات الحكم فى اتجاه الشيوعية . الجديد الآن أن امتد
الحلف ليشمل حلفاء الحقد
الجدد إسلاميين وعروبيين ، ممن يسميهم اليسار بالتناقض الثانوى ،
هذا بالطبع ضد التناقض الرئيس الذى هو العدو الحقيقى والمشترك للجميع وغير
المعلن : قيم الجلوبة والاقتصاد الحر والحداثة ، وتحديدا بالاسم منها
أميركا وإسرائيل ، بالذات بعد تحولهما السافر لليمين الحضارى !
باختصار جماعات حقوق الإنسان طرف أصيل فى الحرب بين الغوغائية والحضارة ،
لم ولن يكونوا إلا الجناح السياسى لمنظمات الإرهاب الشيوعى والإسلامى المسلحة
العالمية ، يتحركون فى حالة واحدة هى سقوط أحد هؤلاء فى قبضة الشرطة ! تذكر ما يحدث دائما فى مؤتمرات
الأسرة والسكان ، والرضوخ الذليل للابتزازين الإسلامى والكاثوليكى
فيها . أنا شخصيا كنت بصدد إنشاء جمعية غير حكومية أثناء صرعة الـ NGOs
الكبرى فى مطلع التسعينيات ، ذلك تحت مسمى الجمعية المصرية للحريات الشخصية Egyptian Association for Personal Liberties ، ووجدت حماسا لم أتوقعه من بعض الأصدقاء ، وقمنا بأبحاث مسهبة فى
التاريخ الحقوقى ، كان أول خطواتها بالطبع الذهاب لمكتب مطبوعات الأمم
المتحدة فى جاردن سيتى بالقاهرة . لم تكن النتيجة مشجعة جدا كما ترى .
مع ذلك مضينا فى إعداد مسودة البيان التأسيسى ، لكن هذا تزامن بالضبط فى
لحظة الضربة القاضية . هذا حين حدث ما حدث من بنظير بوتو ومن بعدها الأزهر والڤاتيكان فى مؤتمر
الأسرة والسكان فى القاهرة سپتمبر 1994 ، المؤتمر
الدولى الحاشد الذى فرحت مصر باستضافته لتثبت أنها خالية من الإرهاب
الإسلامى ، فإذا بها تقود الجميع لتبنى كافة أفكاره فى قرارات
المرتمر !
الواقع أنها كانت المواجهة الأولى
من نوعها ، حيث لم يسبق للسلفيين من أى من الديانتين القيام بهجوم مضاد
كاسح كهذا من قبل . واللحظة الدرامية جاءت عندما دعا الرئيس مبارك السيدة
بوتو لتلقى ما ألقت ، ذلك بعد دقيقة واحدة من إلقاء وزيرة النرويج الأولى
السيدة الرائعة دكتور جرو هارلم
بروندتلاند لكلمتها التى تخيلنا لوهلة أنها ستكون مفحمة
للجميع . لكن الأكثر سذاجة حقا منا كان أن توهمنا لسنوات أن بوتو نفسها
امرأة علمانية متحررة ! لحظتها اكتشفت أن الأمر برمته كان مجرد عبث صبيانى
منا ومناطحة لطواحين الهواء لا طائل من ورائه . أو ربما اكتشف المرء فى
نفسه أن المطلوب لها هو مناضل ، وأنا لم أعتبر نفسى قط يوما مناضلا بأى
معنى للكلمة . من يتملكه القرف أو الغضب أكثر من استمراء الصراع فى حد ذاته
لا يصلح مناضلا . أيا ما كان فالمواجهات مع أى أحد لا تمتعنى ، حتى
خناقات الشوارع التى يجرى إليها الجميع كانت تبدو مضجرة جدا لى . كلها حروب
صغيرة وأهداف صغيرة ، ولطالما تحديدا أغاظنى أن يستخدم الجيل الجديد كلمة
الطمع ’ أنا طماع ‘ أو ’ أنا طماعة ‘ ، معتقدا أنه
يقصد بها الطموح . والطموح كما أفهمه وكما تمثلته وحاولته هو فقط جهاد
النفس ، وليس به مواجهة لأى أحد أيا من كان . عليك أن تشتغل 18 ساعة
يوميا ، هذا هو الطموح ، وهذا لو كنت تفكر فى أشياء كبيرة حقا .
على الأقل وجدت هذا متاحا فى التأليف والقراءة والبحث وجمع المعلومات ، وليس
فى مجادلة من لا استعداد لديهم للفهم . إذن وبالذات لأنى كنت صاحب الفكرة
فى تلك الجمعية ، كان المطلوب منى أدبيا وعمليا أشياء كثيرة لم تكن تتوافر
فى شخصى فى الواقع . من هنا النتيجة أن تبقى من تلك الجمعية الحلم
بها ، الحلم بحياة حرة للصغار والنساء والجميع فى أجسادهم وحيواتهم سلبا أو
إيجابا ما شاءوا ، وفى علاقاتهم الجنسية والعاطفية ما شاءوا ، وفى
حماية آذانهم من ضوضاء المآذن وقهر الآباء والمدرسين والكهنة ورقباء
السينما ، وفى تعليم علمانى نظيف فى المدارس …إلخ …إلخ ، حلما مؤجلا
لأجيال أخرى ! ما تبقى منه ، وللتاريخ فقط ، أو ربما للإلهام إن
كان ثمة من ينتظر مثلها إلهاما ، ما تبقى هو هذه الصفحات الأربع التى نضعها
هنا 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، بين يديك . إنها
صورة من آخر مسودة لأوراق تلك الجمعية ، وهى بخط اليد بما فيها من شطب
وتعديل خلال المناقشات ، وقد كتب فى حينه تاريخ كتابتها فى صدر الصفحة
الأولى منها ! [ تابع لاحقا المزيد عن دكتور جرو هارلم
بروندتلاند . لا نشكك بالطبع فى اتساقها مع نفسها ، لكن ربما لا يكون
الكلام بنفس الحماس الوارد هنا ، ليس لأنها أصبحت مديرا عاما لمنظمة الصحة
العالمية التابعة لما نسميه الأمم
المعدمة اليالتية الاشتراكية المتحدة ( المعروفة اختصارا باسم الأمم
المتحدة ) ، فهى ترتقى المنصب لا هو يهبط بها . إنما لأن
الكلام عن موضوع العنف آنف الذكر ، وبعضه مما لا يمكن شراؤه
بسهولة ! ] . …
أخيرا لا نملك إلا أن نختم
الكلام عن حقوق الإنسان بذلك الاقتباس الشهير عن فيلسوف النفعية الإنجليزى
الشهير چيريمى بينتهام الذى اعتبرته الثورة الفرنسية نصيرا عظيما لها ومنحوه
الجنسية الفرنسية الشرفية ، ثم حين دخل مرحلة التنوير إذا به يقول عن إعلان
حقوق الإنسان الفرنسى … ، أو لندع عنوان الكتاب الصادر عن جامعة أوكسفورد والذى يجمع
كتاباته يقول كل شىء Rights,
Representation, and Reform —Nonsense upon Stilts and Other Writings on the
French Revolution (The Collected Works of Jeremy Bentham) ذاك الاقتباس الشهير يقول :
Natural rights is simple nonsense:
natural and imprescriptible rights, rhetorical nonsense - nonsense upon
stilts . والنص ككل فى كتابه
’ تزويرات فوضوية ‘ ( 1943 ) Anarchical Fallacies الذى ابتدع المصطلح
فائق الشهرة ’ لغو على ساقين خشبيتين ‘ هو : ‘That which has no existence cannot be
destroyed -- that which cannot be destroyed cannot require anything to
preserve it from destruction. Natural rights is simple nonsense:
natural and imprescriptible rights, rhetorical nonsense, —nonsense upon
stilts. But this rhetorical nonsense ends in the old strain of mischievous
nonsense for immediately a list of these pretended natural rights is given,
and those are so expressed as to present to view legal rights. And of these
rights, whatever they are, there is not, it seems, any one of which any
government can, upon any occasion whatever, abrogate the smallest
particle.’ وإذا كنا نحيى بينتهام على هذا القدر من الازدراء
لما يسمى بحقوق الإنسان ، وفى أنه ينكر على الإنسان ، لجوءه لقانون
الطبيعة لإثبات وجود حق طبيعى له ، إلا أننا عامة لا نود مجاراته كثيرا
تطرفه من أجل إثبات هذه الفكرة النبيلة والصحيحة من خلال إنكار وجود قانون
للطبيعة أصلا ، أو فى إنكار تمايز البشر على بعضهم البعض بهبات
طبيعية ، مثلا كتلك التى نسميها بلغة العصر الچيينات [ انظر مشروع
موقعنا nOusia.com ، أو مدخلنا الخاص بمفهوم العرقية ] . من ثم فإن الاقتباس الأكثر
تفضيلا دائما أبدا عندنا ، يأتى من نظيره الفيلسوف الأيرلندى إدموند
بيركى ، الذى كتب معاصرا جدا للثورة الفرنسية ولم يحتج الأمر عنده لأى وقت
لإزالة الأوهام ، ذلك أن لم تكن لديه أوهام أصلا ( ربما يذكرك فقط
بنظيره الأدبى الذى أرعب القلوب تشارلز ديكينز صاحب ’ حدوتة
مدينتين ‘ ! ) . والأهم فيما يخص بيركى أن يمم مباشرة ضد
أسطورة المساواة فى إعلان الحقوق المزعوم ذاك ، باعتبارها لب الداء وراء
فكرة الحقوق ، بل وينبه ببصيرة أخاذه لما سوف يفتحه ذلك من أبواب حق واحد
وحيد سينادى به الجميع ، ألا وهو حق الكسل . ذاك الاقتباس الشهير يقول :
Human equality is monstrous fiction
which, by inspiring false ideas and vain expectations into men destined to
travel in the obscure walk of laborious life, serves only to aggravate and
embitter that real inequality which it never can remove. والنص ككل فى كتابه ’ خواطر
على ثورة فرنسا ‘ ( 1790 ) Reflections on the Revolution in France هو : You would have had an unoppressive but a productive
revenue. You would have had a flourishing commerce to feed it. You would have
had a free constitution, a potent monarchy, a disciplined army, a reformed
and venerated clergy, a mitigated but spirited nobility to lead your virtue,
not to overlay it; you would have had a liberal order of commons to emulate
and to recruit that nobility; you would have had a protected, satisfied,
laborious, and obedient people, taught to seek and to recognize the happiness
that is to be found by virtue in all conditions; in which consists the true
moral equality of mankind, and not in that monstrous fiction which, by
inspiring false ideas and vain expectations into men destined to travel in
the obscure walk of laborious life, serves only to aggravate and embitter
that real inequality which it never can remove, and which the order of civil
life establishes as much for the benefit of those whom it must leave in a
humble state as those whom it is able to exalt to a condition more splendid,
but not more happy. You had a smooth and easy career of felicity and glory
laid open to you, beyond anything recorded in the history of the world, but
you have shown that difficulty is good for man. … أما أرسطو فهو بالطبع قصة
أخرى سنأتى عليها الآن ! اقرأ نص الفصل المقصود من كتاب
بينتهام هنا . …
وبعد ، ربما التفسير الوحيد لذلك التناقض الذى
ذكرناه فى مطلع هذا المقال بين جناحى الليبرالية هو أن هناك انتخابات ولا يمكن
أن ينجح حزب لو نادى بمبادئ الليبرالية الاقتصادية وحدها إذ سيراه الناس معاديا
لمصالحهم الآنية ولميول الكسل والتكاسل . ومن هنا كان لا بد من تبنى
أيديولوچية دهماء كبرى ما حتى يتم تمرير تلك السياسات ، وعادة أو على الأقل
فى العقود الأخيرة ما يكون الدين هو جواز المرور لأفكار الإصلاح الاقتصادى
المؤلمة والتى تنتهى بفرز الناس طبقا لقوانين التطور . أما ما لا نستطيع
تفسيره هو لماذا الدين بالذات إذ يبدو لنا كمجرد اختيار عشوائى محض أو ربا يحتاج
لدراسة وتحليل لا نتوافر عليها الآن . الغرب استمرأ مؤخرا هذا الوضعية
المتناقضة بحيث بدت من طبائع الأمور ( رغم أن الدفاع عن الأقليات الدينية
كان تقليديا واحدا من اهتمامات اليسار وأعداء التطور والدارونية عامة ،
ورغم أن بدأت تعلو أخيرا جدا بعض أصوات الاحتجاج كما رأينا ) ، والأمر
ينطوى على بعض النفاق وتأكيدا يتهرب من المواجهة الصريحة للب المشكلة وهو نواقص
الديموقراطية وأنها لم تكن –أو على الأقل لم تعد– نظاما كفئا لاتخاذ
القرار . فى الغرب تدار الشركات طبقا لمبدأ الكفاءة والإنجاز
والنمو وبنيتها تتمتع بأقل القليل من الديموقراطية وفقط فى الحدود التى تسمح
برفع الكفاءة ، أما الشعوب فتدير شئونها تبعا لمفهوم الديموقراطية أو بمعنى
آخر طبقا للمزاج العام لعموم الناس . الغرب تعايش مع هذا التناقض يوميا
بحيث لم يعد هناك الكثيرون ممن يرونه أصلا ، بينما المؤكد يقينا أن أحد
النظامين صحيح والآخر خطأ أيا كان أيهما الصحيح وأيهما الخطأ ، ذلك أن الإدارة ليست علمان علم للشركات وآخر للبشر . السبب ببساطة هى أن الجميع يفترض أن إدارة الشركات تحتاج
علما وخبرة ، بينما السياسة فهى مهنة الجميع وكأن القرارات فيها لا تحتاج
لعلماء أو خبراء بالاقتصاد والتقنية والستراتيچية ...إلخ ! لقد علمتنا
الهندسة أنه لا يوجد دائما سوى حل واحد للوصول للكفاءة القصوى ، بينما يفتح
إدخال العامل البشرى لدائرة اتخاذ القرار لأبواب جهنم من التفريعات والخصوصيات
والمحليات والموروثات ...إلخ ...إلخ والضحية دائما هى الكفاءة التى يجب أن يدار
بها الكوكب .
لهذا السبب قال أرسطو ذات مرة إن الجمهورية خطأ وإن
حق الانتخاب يجب أن يكون قصرا على العقلاء ، والمبرر مفهوم بل وبسيط للغاية
بالنسبة لمفكر رأى أستاذه سقراط يحكم عليه بالإعدام بالسم لا لشىء إلا لكون
النظام المعمول به فى ذلك الوقت كان اسمه الديموقراطية . وحتى لا نقول أن
العموم بطبعهم معادين للعلم والتقنية والتقدم أو على الأقل شديدى التوجس منها نكتفى
بالقول أنه ما من شك أن الإنسان يعرف جيدا ما يمتعه ويسعده هو شخصيا ومن البديهى
أننا نؤمن بحق كل إنسان فى كافة الحريات الفردية والشخصية المعروفة
والمستقبلية ، وذلك إلى آخر حدود يمكن تخيلها لهذه الحريات بما فى ذلك كما
قلنا حق إيذاء النفس . لكن ذلك الإنسان لا يستطيع أن يكون بالضرورة عالما
فى الفيزياء والاقتصاد والتقنية والسياسة الدولية . من هنا جاء إصرار
الفلاسفة على التمييز بين تلك الحريات ذات المستوى الفردى والتى لا يحدها سوى
شرط واحد هو عدم إيذاء الغير ، وبين مستوى آخر من القرارات السياسية والاقتصادية
والتقنية ذات الأثر الجماعى أو بعيد الأثر والتى يجب أن تتخذ فقط بواسطة أفضل
الخبراء أو ربما بواسطة الآلات أو الكائنات القادمة الأكثر ذكاء من الإنسان كلما
كان ذلك ممكنا . هذا المستوى يجب أن يتخذ فى رأينا المتواضع بعيدا
عن أهواء الناس وانفعالاتهم وبالأخص محاولات اللعب على هذه الأوتار لا على
العقول لا سيما فى عصر الديموقراطية التليڤزيونية المختزلة الذى يفهم فيه
على نطاق واسع أن الرؤساء ينتخبون تبعا لدرجة وسامتهم وجاذبيتهم الجنسية قبل أى
شىء آخر . وتحدد فيها مصائر البوسنة وكوسوڤو بما يظهر على أغلفة
التايم والنيوزوييك ، حتى لو أدى ذلك لتسليم كل أوروپا لخلافة أسامة بن
لادن ، رغم أن القضية واضحة جدا وما فعله النجمان التليڤزيونيان ،
الوسيم بيلل كلينتون والسليطة ماديلين أولبرايت ، هو نصرة التهديد الإسلامى
وهو تهديد حقيقى ، على اللا تهديد الشيوعى ، وهو تهديد منقرض ،
شىء بائد ويمكن التعامل معه . كان يكفيهم من الأول مثلا اغتيال
السادات ، لكن أبواق الديموقراطية وحقوق الإنسان ببغاوات لا يفكرون وأيضا
لا يعتبرون ، إلا حين يجدون أنفسهم وقد جزت رقابهم سيوف الإسلام
الثالمة . هذا هو ببساطة ما يحدث عندما يحكمنا التليڤزيون .
ببساطة أن كل ما يهم اليساريين من أمثال الثنائى كلينتون‑أولبرايت هو
المزايدة الأيديولوچية ، وبيان أنهم على استعداد لمناصرة أحط شعوب
الأرض ، فقط لإثبات صدق يساريتهم . نعم ، لا أكثر ، وأيا
كان الثمن الذى تدفعه الحضارة الإنسانية ! بصراحة أكثر إن العلم والتقنية أو بكلمة واحدة
التطور أمور يجب أن تكون لها المرجعية العليا فوق كل المرجعيات بما فيها آخر
مرجعيات وصلنا إليها فى القرون الأخيرة بما فيها مرجعية الإنسان التى أعقبت موت
الإله ومن ثم مرجعيته البائدة تلك .
ولو شاء السائل [ هذا المقال كان فى الأصل ردا
على رسالة بالبريد الإليكترونى ] الإجابة عن البديل العملى للديموقراطية
فسيطول الشرح وليست هذه المقدمة بمجاله . لكن الحقيقة الأولية كما قلنا أن
ريچيماتنا العربية هى ما تستحقه شعوبنا الجاهلة . ورغم إنى فى الواقع أتحدث
فقط عن الديماجوچيين من جبهة الرفض أمثال صدام والأسد والقذافى والترابى ،
ورغم أنى أزعم أن بقية الريچيمات تحديثية بدرجة أو بأخرى وأفضل بدرجة واضحة من
شعوبها ، إلا أنى أقول إننا لو أردنا ريچيمات أفضل من هذه ، فإن
الطبيعى أن المواجهة بينها وبين شعوبها لا بد وأن تكون بالضرورة أعمق
وأشرس ، وقطعا لن تكون ‑ولا يجب أن تكون‑ ديموقراطية
بالمرة . من هنا نحيله أولا على امتداد المتابعات القادمة المنتواة لهذه
الصفحة ، للريچيمات التى ارتفعت بوسيلة أو بأخرى فوق مبدأ الأصوات المتساوية للعقول غير المتساوية وحققت لشعوبها طفرات نهضوية كبرى اقتصاديا وثقافيا ، بالأخص
الديكتاتوريات العسكرية اليمينية اللا قومية أو وطنية -وطبعا اللا دهمائية- من
التى حفل بها القرن العشرين وشعوبه المحظوظة بدءا من تركيا أتاتورك مرورا
بإسپانيا وبرتجال فرانكو وسالازار وانتهاء بتشيلى پينوتشيت
وكل النمور الآسيوية وحتى التجربة الصينية الانفتاحية فى السنوات الأخيرة
( وربما –نقول ربما– يصبح ڤلاديمير پوتين هو أول
تواصل مع هذا التاريخ فى القرن الحادى والعشرين وأول إثبات فيه لأن الزعامة
والسمو فوق التميع الديموقراطى أمور لا تزال ممكنة بعد ) . هذه نظم
ليبرالية حقة انتصرت للحرية بكامل معناها وبكل متضمناتها التطورية
المحتملة . وثانيا ‑وهذه قصة أطول‑ قد نحيله أيضا لنظره أشمل
بيولوچيا لحقائق الإنسان فى صفحة حضارة ما بعد‑الإنسان .
بهذه الأخيرة قد نصل لأن الحقيقة الأبعد من كل هذا
لا تكمن فيما أرسطو ، إنما فيما لم يقله . ألا وهو أن هؤلاء العقلاء لا يجب أن يكونوا بالضرورة بشرا . الحواسيب الذكية يمكن أن تكون جاهزة خلال أسابيع أو بالأكثر
شهور ، لتولى السلطة وطرح هذه الجدلية التى تمثل الرد المؤكد على كل
الفزاعات التى تخرج فى وجهنا قائلة : وما هو البديل الأفضل من
الديموقراطية ؟ كما قلنا حيثيات هذه الجدلية مكانها صفحة
أخرى فى هذا الموقع ، أما ما لا يزال من الواجب قوله هنا شىء
واحد : المطلوب فقط هو
الإرادة ! اكتب رأيك هنا هل تريد المساهمة ؟ ... يمكنك ذلك مباشرة من
خلال لوحة الرسائل إضافة أو قراءة أو بالكتابة عبر البريد الإليكترونى . 26 أكتوبر 2000 : پينوتشيت Pinochet Rome Wasn’t Built in a Day. Chile Almost Was! قصة النهضة التى انتشلت ‑وفى لمح البصر
تقريبا‑ تشيلى من التحول لدولة إشتراكية فقيرة على الطريقة الكوبية وجعلت
منها بدلا من ذلك أقوى اقتصاد فى أميركا الجنوبية . وحكاية دعاوى حقوق
الإنسان اللزجة التى لا تكفل فى الواقع سوى حق واحد هو حق الفقر . لماذا لا يتحرك هؤلاء عندما يقود طاغية ديماجوچى شعبه لحروب يموت
فيها الملايين باسم الوطنية أو غيرها ، بينما يملأون الدنيا صراخا عندما
يضطر مصلح اقتصادى للتخلص من القوى التى تعرقل ازدهار شعبه ؟ وهل صحيح أن
كل المصلحين صناع نهضات العالم الثالث تنكرت لهم شعوبهم وحاكمتهم بدلا من أن
تكرمهم بالعرفان ؟ ما فعله پينوتشيت أن استقدم اثنى عشر خريجا من
مدرسة شيكاجو التى تؤمن بالحرية الاقتصادية الكاملة أى الليبرالية بمعناها
الدارونى المطلق ، وعينهم وزراء مطلقى الصلاحيات فى تطبيق ما يقول
الكتاب . بعد ذلك يبدأ دوره هو فى حماية هذه الليبرالية بمنهج الآن ( أو بالأحرى فى خلال ثلاث سنوات فقط من قتل سلفه أييندى
فى انقلاب 11 سپتمبر 1973 ) ما هى النتيجة : قفز أضعف اقتصاد فى أميركا الجنوبية ليصبح أقوى اقتصاد فيها
إطلاقا ، بما فى ذلك تقزيمه لاقتصاد البلدين الكبيرين البرازيل
والأرچنتين . هل تعلمون ماذا كانت هدية كندا لپينوتشيت المعتزل
فى عيد ميلاده الثمانين يوم 25 نوڤمبر 1995 ؟ إنها ترشيح تشيلى
لعضوية اتفاقية التداول الحر لأميركا الشمالية ( نافتا ) التى لا تضم
سوى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك . هل تعرفون ماذا كانت تفعل الولايات المتحدة نفسها
فى تلك الأثناء ؟ كانت ترسل الخبراء لسانتياجو لاستطلاع كيف نجح بحق الجحيم
أول نظام للضمان الاجتماعى من تنفيذ وتمويل القطاع الخصوصى فى التاريخ
الإنسانى . هل تعرفون ماذا قال قبلها الرئيس الأميركى چورچ
بوش حين زار تشيلى فى يوم 6 ديسيمبر 1990 ؟ قال You deserve your reputation as an economic model for other
countries in the region and in the world. Your commitment to market-based
solutions inspires the hemisphere. ! بل هل تعرفون بماذا كان يحاج أصلا مؤسس مدرسة
شيكاجو ( أو ما تسمى أحيانا بحكم تمحورها حول السياسات النقدية مدرسة
النقوديين Chicago School of
Monetarists ، أى التى تحصر وظيفة الدولة ، أو بالأحرى البنك
المركزى المستقل عن الدولة ، فى رسم السياسة النقدية ، أى تحديد سعر
الفائدة ومحاولة كبح التضخم ، وما إلى هذا ) ، أما عن صبية شيكاجو التشيليين فيظل أشهرهم إطلاقا
عالميا هو [ تابع التطورات الآنية عن تشيلى من خلال فكرة منطقة التجارة الحرة بين تشيلى والولايات
المتحدة . وفى مقابل هذا تابع أيضا مسيرة
تدهور الاقتصاد المصرى بعد استقالة الدكتور الجنزورى ، وكذا الأسباب التى أدت لهذه
الاستقالة ] . إننا نفتتح هذا المدخل تحية لهذا الليبرالى العظيم
والبناء الخالد الچنرال أوجيستو أوجارتى پينوتشيت ، الأنموذج الأمثل الذى
لا نعتقد فى وجود طريق أفضل من تجربته لأى دولة فى العالم الثالث تريد انتشال
نفسها من الفقر والتخلف . ونأمل أن يكون التعريف الموجز التالى تعريف النهضة : هى طفرة 1- سريعة 2- مستدامة ، للارتقاء بشعوب بدائية
تقنيا لمستوى مقارب لجبهة التقنية الأكثر تقدما فى العالم . هذا يستبعد التجارب التى نضجت فيها التقنية والشعوب معا وعلى نحو
تدريجى وبلا طفرات درامية ، أو بمعنى آخر الحالات التى خلقت هى نفسها جبهة
التقنية ، ولم تحاول الوصول بشعوب متخلفة لمستوى يناهز جبهة موجودة
أصلا . بمعنى آخر نحن نميز هنا بين النهضة وبين الحضارة . حيث هذه
الأخيرة تتم بناء على آليات تختلف كثيرا عما سنحلله هنا . والمثالان
الرئيسان لها بالطبع هما مسيرة بريطانيا التى قادت للثورة الصناعية ،
ومسيرة أميركا التى قادت لعصر ما بعد الصناعة . فى هذه الحالات تكاد تكون
الشعوب ككل مشاركة فى صنعها بقيادة صفوة مخترعيها وسياسييها بالطبع ، إلا
أنها لم تفرض قسرا أو فجأة على شعوب شديدة التخلف ، بواسطة أقلية ديكتاتورية
كما سنرى . أيضا التعريف يستبعد عمليات إعادة البناء ، كما حدث فى الياپان
وألمانبا بعد الحرب العالمية الثانية ، فالشعوب ليست بدائية فى هذه الحالة
بل تمتلك المعرفة التقنية بالفعل ، وكل المطلوب إعادة بناء الاقتصاد . أيضا هو يستبعد تجارب النهضة الفاشلة والمنتكسة فى نهاية المطاف ،
كالاتحاد السوڤييتى ومصر الناصرية ، إلى آخر تجارب الاشتراكية .
والأسباب لن تكون خافية بعد قليل . النهضات على سبيل الحصر : ألمانيا
پسمارك ، ياپان الميجى ، دول الساحل الجنوبى لأوروپا تركيا أتاتورك
وإيطاليا الدوتشى وإسپانيا فرانكو وبرتجال سالازار ويونان چنرالات فيلم
’ زد ‘ ، النمور الآسيوية وبالأخص تايوان وكوريا وسنجافورة التى
يقبع حاليا أغلب الچنرالات التى صنعوهها كى يتعفنوا فى صمت فى السجون بتهمة
انتهاك حقوق الإنسان ( دع جانبا مغدور كوريا العظيم پارك تشونج
هيى ) ، وأخيرا ‑بالطبع وفوق الكل‑ تشيلى الچنرال
پينوتشيت . السمات المشتركة لتجارب النهضة : 1- ديكتاتوريات . 2- عسكرية . 3- يمينية . 4- علمانية . 5- دموية . واجهت
ثورات العمال والطلبة على الإصلاح اليمينى ، بمذابح واسعة النطاق يقوم بها
الجيش ، وبفرق الموت تلاحق وتقتل آلاف الشيوعيين أو القوميين أو المتدينين
أو كلهم مجتمعين . 6- استئصالية . لا
تأبه لما يسمى بالهوية القومية أو بالخصوصية المحلية ثقافة أو حتى
اقتصادا ، بل تعمد تحديدا لتحطيمها بكل الطرق الممكنة ، وتحل محلها
نسقا اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا مأخوذ بالكامل من الكتاب ، الكتاب النظرى
للحضارة ، أى خبرة وهوية ذلك أو تلك الشعوب الأكثر اختراقا لجبهة التقنية
فى تلك اللحظة المعطاة . بمعنى آخر إن المستوى التى تلعب فيه هو تغيير
[ ذلك الشىء الذى أسماه كيسينچر لاحقا
الطبقة الچيولوچية للشعوب ، أو ] ما يسميه هذا الموقع عادة بالطبقة الچيينية . 7- دارونية . بمعنى
أن يمينيتها مبنية على أسس علمية ، وليس من مجرد العداء لهذا الميل الجنسى
أو ذلك العرق مختلف اللون أو أشياء كهذه . بمعنى آخر أنه بينما يرى زعماء
تلك التجارب [ على العكس من كيسينچر ، إمكانة تحطيم البنية الچيولوچية
للشعوب ] ، وعمرها عدة آلاف أو بالأكثر عشرات الآلاف من السنين ،
فإنهم يبدون بالغى الحرص فى ذات الوقت على أن لا يخرق مشروعهم النهضوى قوانين
الطبيعة ، التى هى أكثر قاعدية ورسوخا وتمتد لبلايين أربع من السنوات هى
تاريخ الحياة على وجه الأرض [ يفترض أن نناقش هذه القوانين تفصيلا فى
مشروعنا التالى عن كل القوانين الأكثر قاعدية فى الكون nOusia.com ] ، تلك التى فى جوهرها يمينية
للغاية تؤمن بالصراع والانتخاب الطبيعى وحفز التكيف وتنحية الضعيف طوال
الوقت ، إلى آخر كل ما يمكن استنتاجه من داروين . كذلك من الملفت حقا
أن هذه الدارونية صبغت يمينيتها برقى رفيع ، ولم نجدها أبدا وقد تدنت
لمستوى العرقية والتمييز لدين أو عرق أو لون بأكمله ، إلا بالطبع ما يفرضه
تميز أو فشل الأفراد واحدا واحدا . باختصار هم أرقى شكل ممكن للسيطرة على الطبيعة ( تعريف فرويد الشهير
للحضارة ) : أن تدفع بقاربك فى اتجاهها كى تسبقها ، أما أن تكون
يساريا تسبح ضد قوانينها فلن ينالك سوى تحطم قاربك ! 8- مدللة . لم يحدث
أبدا أن عادى الغرب الديموقراطى ، أو أيا من كان أكثر تقدما فى اللحظة
المعطاة ، تجارب النهضات هذه ، بل الواقع أنه دعمها ماديا ومعنويا
وأحيانا عسكريا لأبعد الحدود . 9- مغدورة . بعد أن
ينجز العسكر مهمتهم ويضعون شعوبهم على طريق التقدم ومنافسة بقية العالم ،
تكتشف هذه الشعوب مصطلحا لم يكن قد استخدمته قط فى كل تاريخها ، اسمه حقوق
الإنسان . ويكون أسهل شىء لديها التمتع بتطبيقه أول ما تطبقه ، على
هؤلاء أولياء نعمتها أنفسهم ، فتحاكمهم وتضعهم فى السجون ! 10- يصعب تطبيقها فى بلاد العرب والمسلمين . هذا بالطبع لأسباب چيينية ترفض فكرة الاقتصاد الحر والكدح
والابتكار ، وتفضل التعيش على القرصنة وقطع الطريق والاسترقاق والاستحلال
ومص دماء وعرق الغير ، التى كلها مميزة لسائر العرق السامى وأبناء عمومته
وجيرانه ، والتى كلها سبق وأفضنا فيها مطولا فى الدراسة
الرئيسة لصفحة الثقافة . ملحوظات : - تلك الحقيقة قبل الأخيرة تنفى جذريا أكذوبة أن الغرب لا يريد لنا التقدم .
فالعكس هو الصحيح بزاوية 180 درجة . حيث تقدمنا سيوسع من سوق
منتجاته ، ويكفل له التمويل اللازم لتنمية تقنيات أحدث ، لا يخاف معها
أبدا من منافسة من تخلفوا عنه ولو بشهور ناهيك عمن تخلفوا بمسافات أطول
مثلنا . وحتى لو حدث واجتهدنا بقوة بحيث شكلنا منافسا حقيقيا ، فهو
يرتضى سلفا قانون المنافسة ’ النظيف ‘ أى المنافسة التقنية والعلمية
دونما إرهاب أو تحريض أو قومية أو أيديولوچية ، إلى آخر أشكال الضرب تحت
الحزام . فذلك هو القانون الذى ارتضاه المتحضرون فيما بين بعضهم
البعض ، ولا يبدو فى الأفق المرئى أنهم بصدد التخلى عنه ! - لم نذكر من ضمن الخصائص أن هذه القيادات وريچيمات الحكم هى ريچيمات
نظيفة اليد لأبعد الحدود ، يحدوها الإخلاص المطلق لمصلحة شعوبها ولا تسنح
بأدنى قدر أو شكل من الفساد . تعمدنا ذلك لسببين ، الأول أن هذا من
نافلة القول ، وثانيا حتى لا نجارى الرأى الشائع السائد بأن المشكلة تقع
برمتها فى انعدام الضمير أو فى الفساد ، فهذه كلها فى رأينا مجرد نتائج
للنظام . لو النظام قائم على
المال العمومى والسلطات الحكومية الواسعة على الاقتصاد سيتولد الفساد
توليدا ، ولو النظام قائم على الاقتصاد الحر ، حيث الكل رقيب على الكل
فيه بسبب المنافسة المفتوحة ، فسيتولد ما يسمى بالضمير توليدا . - بالاعتراف بأن كل مشروع يمينى هو رؤية بعيدة المجرى تتطلب إصلاحات
قاسية لا بد وأن يقاومها الشعب بالضرورة ، فالأمر يحتاج فى أغلب الحالات
لغطاء من الحلوى لتمرير مرارة الإصلاحات للشعب . القومية هى عادة الغطاء الذى لجأت له أغلب هذه النهضات . هذا يستثير همم الشعب للبناء ، ويوجه غضبهم لأشياء أو أعداء
آخرين غير الإصلاح نفسه . لكن ما لا يحتمل اللبس قط أن كل هذا لا يزيد عن كونه نوعا من الخداع البصر
للشعب ، ولم يحدث أبدا أن دخل أى مشروع نهضوى فى صراعات إقليمية أو أن تحدى
ما يسمى بالهيمنة الإمپريالية ، إلى آخر ما يمكن توقعه عادة من
الأيديولوچيات القومية الحقة . بالعكس ، التعهدات الحقيقية تكون دوما
هى الاقتصاد الحر ، والانخراط فى عجلة الرأسمالية العالمية ، والتحديث
ليس تقنيا واقتصاديا فقط ، بل بما فيه طمس الهوية القومية وإحلال الهوية
الغربية الجلوبية محلها . أليس هذا هو جوهر الإصلاح الأتاتوركى مثلا ،
رغم كل خطابه القومى الصارخ ضد مفهوم الأمة الإسلامية أو ضد القوميات الصغرى
الأخرى كالأكراد مثلا ؟ كل نهضة ‑لا سيما
نهضات الساحل الجنوبى لأوروپا‑ لها قصة مشابهة وإن لم تكن بمثل هذه الصورة
الكلاسية الدرامية المثيرة . أو لعل بعض النهضات ‑والحق يقال‑
كانت فى وضع أفضل وأشجع لمواجهة شعوبها مواجهة عقلية وصريحة بمرارة
الإصلاح ، كما فعل العظيم پينوتشيت مثلا . هذه هى الحالة المثالية
التى نأمل فى مثلها لشعوبنا ، وليس مثلا الخروج علينا بفكرة هشة أو موهومة
كالقومية المصرية أو القومية اللبنانية مثلا . - ذلك التمييز بين
الرواسخ صعبة التغيير كطبائع الشعوب ، وبين ’ الثوابت ‘ مستحيلة
التغيير فى قوانين العالم الطبيعى ، هو سر نجاح هذه النهضات . ومن ثم من الواضح طبعا لماذا لم تكتب الاستدامة النهضوية
لديكتاتوريات عسكرية أو پوليسية أخرى مثل ستالين وعبد الناصر . السبب
ببساطة أنها يسارية وتلعب عكس قوانين الطبيعة ، فإذا بها بعد قليل تكتشف أن
وصولها للقمر وترسانتها النووية باتت عبئا عليها يستنزف مواردها ، وليس
مصدرا للربح المادى كما كل تقنيات عصرنا التى ولدت جميعا فى حضن المؤسسة
العسكرية الأميركية ، ثم وجدت بعد ذلك آلة الشركات الرأسمالية تروجها
للحياة اليومية لكل الناس فى صور مختلفة ، ناهيك بالطبع عن كونها مجتمعات
لا تنافسية ينتصر فيها فى خاتمة المطاف الكسالى والفاسدون . هنا تكمن
عبقرية اليسار وطموح المناطحة عنده . أما ديكتاتوريو اليمين ،
والمعجبون بهم من البسطاء أمثالى ، فهم أناس متواضعون يعرفون قدر
أنفسهم ، ولا يفكرون أبدا فى تغيير قوانين الطبيعة ، بل يأملون فقط أن
تلعب هذه القوانين فى صفهم وتحقق لهم النجاح . - بالمصطلحات الماركسية المحض هؤلاء الديكتاتوريون اليمينيون المتطرفون ينطقون بلسان البنية
التحتية المادية جدا للطبيعة والمجتمع ، ولا
يجلبون الفكر من الخارج لهذه البنية التحتية ممثلة فى طبقتهم الإنتاجية
المختارة ، كما رأى وفعل ماركس وكل الماركسيين واللينينيين من بعده على نحو
بالغ المثالية دون أن يدروا أنهم ’ بسياستهم ‘ الماركسية يناقضون أصلا
كل المنطلقات الفلسفية للمادية الديالكتيكية لماركس الشاب ، والمنيعة
تقريبا على أى نقد ( وهذا رأيى حتى اليوم ) ، ومناقضة حتى
للاقتصاد الماركسى الصحيح فى مجمله كتحليل تاريخى على الأقل . - أيضا وللأسف الشديد نضطر لإضافة نهضة يمينية عظمى ولطالما انبهرت شخصيا بها وتآمر عليها العالم بأسره
حتى أسقطها . إنها بالطبع نهضة
جنوب أفريقيا . ذلك دون أن نحسم إذا ما كانت
عرقيتها غير ’ الطبيعية ‘ جدا ربما ، هى السبب فى
انهيارها ، أم مجرد تآمر شعارات العالم الخارجى البلهاء ضدها . إذ
لعلها لو بزغت فى توقيت لم يكن يكتسح العالم فيه جنون اليسار لكانت قد نجحت
للنهاية . - بالطبع هناك حالات شبه
هجين ما بين النهضة والحضارة ، مثل ألمانيا وفرنسا والأعظم منهما
هولاندا ، وهى دول لم تصنع الثورة الصناعية ، لكنها كانت جاهزة من حيث
النضج التقنى الكافى لاستيعابها خطوة بخطوة تقريبا مع روادها الإنجليز
( الواقع هولندا ببنوكها اليهودية كانت ممولا جوهريا لكل المساعى الحضارية
فى كل أوروپا على امتداد مجمل الألفية الثانية ، كالأموال الهائلة التى
تطلبها تمويل الكشوف الجغرافية والبنية التحتية للثورة الصناعية من مصانع ومناجم
وقنوات وموانئ …إلخ ) . هذا الكلام يسرى بشكل
عام على كل الشمال الأوروپى بدرجات متفاوتة . كذلك نحن لم نخطئ فى تصنيف
نهضة موسولينى فى إيطاليا كإحدى النهضات الناجحة المستدامة ، فالحقيقة أن
هزيمة الحرب الثانية كانت أقرب لنوع من التحول السلمى ، تم فيه عزل الدوتشى
ومواصلة المسيرة على نحو أنضح وبلا حماقات عرقية أو شعارات قومية مبالغ
فيها . - أيضا لا يمكن تجاهل حالة
الهند والتى قد تكتسب ملمحا خصوصيا بعض الشىء .
فهى بلد سلك دروبا وعرة للغاية تخبط فيه على كافة ملل الطيف اليسارى كل نصف
القرن التالى على الاستقلال ، ولم تبدأ فى الازدهار إلا مع تولى اليمين
للسلطة فيها مؤخرا ، وطبعا ببطء شديد لا يرقى لمستوى النهضة . لو
استمر تسيد اليمين الكاسح فى هذا البلد الديموقراطى لفترة طويلة ، فإنه
سيساوى تقريبا من حيث الأثر الديكتاتورية اليمينية ويمكن من ثم تحقيق نمو
سريع . أما لو باتت الهند ديموقراطية ’ حقيقية ‘ وقفز اليسار من
جديد للسلطة ، فالأمال لن تكون كبيرة بالمرة فى تقديرنا المتواضع . أى
أن الهند لا تزال فى منطقة أشبه بما يسمى فى الكاثوليكية المطهر ، ويصعب
معرفة مصيرها النهائى بعد ، مع ملاحظة جديرة بالاهتمام ، أن ما لم تكن
التنمية فى صورة طفرة وبسرعة ، فإنها غالبا ما تنتكس ! - على العكس طبعا تتبقى الحالة الفريدة والطريفة جدا : الصين ، أول نهضة فى القرن الحادى
والعشرين . هذه حسمت أمرها كنهضة رأسمالية يمينية
ليبرالية ، يرعاها وينفذها حزب رهيب الديكتاتورية وإن لوحظ فيه أنه لا يهتم
بالمسميات كثيرا ، ولا يزال مبقيا على اسمه الأصلى الحزب الشيوعى
الصينى ! باستثناء طرافة المسمى هى حالة كلاسية جدا للنهضة ، بل
ومتطرفة فى صفوويتها ، حيث تختار مدنا بعينها لتطبق عليها نظام الاقتصاد
الحر ، تحميها مؤقتا من غزو بقية الدولة البدائية ، ثم تدريجيا تضم
لها مدنا أخرى وهكذا ! والمدهش أكثر وأكثر أنه رغم المسميات ورغم ما يسمى
بانتهاك صارخ لحقوق الإنسان ، فإن أميركا وكونجرسييها ’ الديموقراطيين ‘
للغاية ، لم يفكروا قط حتى فى أيام الطاغوت اليسارى الكلينتونى ، فى
استبعادها من الوضع المميز جدا من التعاون الاقتصادى تحت اسم الدولة الأولى
بالرعاية ! فالفكرة ببساطة أن الناهضين من الصفر طالما هم جادون فى الإصلاح
الاقتصادى ، وبغض النظر عن ’ اللا إصلاح ‘ الديموقراطى ،
وحتى بغض النظر عن امتلاك السلاح النووى ، بل إن لم يكن لكل هذه الأسباب
مجتمعة ، هم مؤهلون من الناحية الواقعية لأن يكونوا أصدقاء وأعضاء فى نادى
الصفوة الكوكبية المحترمة ذات السلوك الناضج ، أكثر من أن يكونوا مؤهلين
لدور العدو أو قاطع الطريق المارق . وعلى أية حال ، ولأسباب چيينية
عميقة ، ليس لدينا حتى اللحظة ثقة كبيرة ، فى أن النهضة فى بلد
كالصين ، أو النهضة التى صنعها العرق الصينى فى ماليزيا ( العرق
المالى نفسه عرق كسول بطبعه اعتنق الإسلام ولم ولن يصنع نهضة ) ، هى
نهضات راسخة عميقة الجذور وستكون مستدامة . مرة أخرى نحن لا نطرح حلا لتخلفنا به
أدنى قدر من العبقرية أو الابتكار ، بل بالعكس تماما حاولنا قدر الإمكان
تحاشى أى اختراع أو اجتهاد . وكل ما فعلناه هو بتواضع شديد : 1- أن حصرنا حالات القفز السريع للتخلص من التخلف ، أو ما يسمى
النهضة . 2- أن اكتشفنا ( وليكن من قبيل الصدفة المحضة لو شئت )
أنها تخضع لآلية واحدة صارمة لا تتغير حتى فى أدق تفاصيلها . 3- وأن أدنى تغيير على هذه الآلية ، أو محاولة تجربة شىء أكثر
بطئا أو سلمية ، يؤدى بالضرورة لتداعى التجربة برمتها . 4- رغم علمنا أن شعوب
العرق العرق السامى لم يحدث أبدا أن أنتجت ديكتاتورية عسكرية يمينية ، ورغم
تخيلنا أنه حتى لو طبق هذا فيها فلن ينجح على الأغلب ، ورغم ثقتنا أن
الهاجس التاريخى لمثل هذا النوع من الشعوب هو ما يسمى بالعدل ، وأن من ثم
سقف أحلامها أن يأتيها حاكم من شاكلة عمر بن الخطاب ( ديكتاتور يسارى يعنى ! ) ،
ورغم بالطيع أن آفاق حدوث أى تغيير چيينى فى أى مستقبل منظور هو بداهة ضرب
الأحلام ، إلا أننا وبمنتهى منتهى منتهى التواضع ، ومنتهى منتهى منتهى
الحب والاحترام ، ندعو كل حكامنا العرب ( المخلصين المهمومين منهم
بإشكالية التنمية بالطبع ، وليس الأسد وصدام ومن على شاكلتهما من اليسار
مناطح الغرب وإسرائيل ) ، لاتباع هذه الآلية ، رغم كل قسوتها
ومرارتها والدماء التى ستسفك فيها ، ورغم أنها ليست قصيرة المجرى بالمرة فى
الاتيان بالنتائج ، لكن فى النهاية ليس لدينا بديل عن المحاولة . هذا
فقط تشبثا بأمل واهن فى مستقبل مختلف لأبنائنا ، وثانيا لأننا ‑بمنتهى
منتهى منتهى البساطة‑ لم نجد فى كل القرون الماضية أى بديل من أى نوع يمكن
أن يسهم ‑ببطء وتدريج حثيثين‑ فى تغيير اللعنة الچيينية التى تسرى
فى عروقنا ( كما حدث لأبناء عمومتنا اليهود حين ذهبوا لبلاد الصقيع
واستعروا بمحارقها ، فعادوا أشكيناز هصاينة ليس بهم أى من الخصائص المعروفة
للعرق السامى ، أو عرق البرابرة حسم تسمية أرسطو . باختصار شديد : يفترض أن الحكومة مجرد جسم body صغير لكن كفء ويقظ ،
وظيفته السهر على حراسة القوانين التنافسية لأمنا الطبيعة وعلى ألا يصادر أحد حرية
اقتصاد السوق أو ديناميات الحراك الاجتماعى أو حريات الأفراد الشخصية ،
أيها باسم الاشتراكية أو الإنسانية أو الدين أو أية أيديولوچية أخرى كانت ،
أى وظيفته وسيط تنشيط catalyst للتفاعلات الاقتصادية دون أن ينغمس هو نفسه فيها . تلك
الوظيفة لا تحتاج لانتخابات وجلبة وتعقيدات . ديكتاتورية عسكرية بسيطة
يمكنها القيام بها على أعلى قدر ممكن من الكفاءة ، ذلك إلى أن يحين يوم
قريب تتولى فيه الآلات الحية فائقة الذكاء إدارة شئون حيواتنا بالكفاءة المثالية
التى طالما حلم بها الفلاسفة ! … والآن إلى
واحدة من الذكريات العزيزة للغاية فى عمر الإنسان ، قصة الفاينانشيال
التايمز من 29 نوڤمبر 1995، والتى حفزتنى ساعتها فى التو واللحظة لكتابة
هذا المدخل ، ذلك بعد سنوات من شحن معلوماتى وعاطفى كبيرين تجاه تجربة
تشيلى الرائعة على نحو خاص ، ومثيلاتها عبر الجلوب عامة ! (Note:
Downsized image; for full scale, click here) NEW! - 2002: Celebrating Two September 11
Anniversaries: This was
the first ‘Tuesday, September 11’ to make
people see the world better! [ تحديث : أكتوبر 2001 : الواقع
أننا لم نناقش كثيرا هنا وإن كنا قد تناولناه مرارا وتكرار فى مختلف أرجاء هذه
الصفحة والموقع ككل ، إشكالية أن تكرار تجربة پينوتشيت باتت من الصعوبة
بمكان فى عقد التسعينيات بينما اليسار الكلينتونى يحكم أميركا ولا يضجر أبدا من
التلويح بفزاعاته البلهاء الهبلاء من قبيل الديموقراطية وحقوق الإنسان .
بعد سپتمبر 11 ، ها هى الفرصة التاريخية تحين مرة أخرى ، ومن الممكن
أن تتسامح أميركا من جديد مع الريچيمات الديكتاتورية فى العالم الإسلامى أو
غيره ، طالما هى نهضوية حقا يمينية حقا علمانية حقا ] . Update:
December 2, 2000: Yesterday, a Chilean judge ordered placing Gen.
Pinochet under house arrest. Today, The New York Times began a forum titled Pinochet: Heroic
Anti-Communist or War Criminal? Here're some valuable
contributions to this forum followed by our own: billikopf4: I
have lived in Chile more than 80% of the past fifty years and have followed
events in the country on a day to day basis. Without an equivalent background
I question the "knowledge" of people who claim to know the history
of Chile and who set themselves up as judges of Mr. Pinochet. First, it is
necessary to familiarize oneself with the 1960's, the 1970 Election (which
voted a candidate into power with a mere 38% of the vote, that is, a man who
by no means represented a majority, a man with a program which destroyed the
country), the call by an overwhelming majority to replace Allende, the fact
that half of those who are out to crucify Pinochet supported the military
coup, which was carried out by Chileans, not by the USA or CIA. Who started
the shooting on September 11, 1973? Not the Armed Forces but the diehard
supporters of Allende! Who knew what the Armed Forces were up against?
Nobody! With hindsight one can say that Pinochet engaged literally and
figuratively in overkill. However, thirteen years later, in September 1986,
Pinochet was the target of an ambush and an assassination attempt, which
demonstrates that he had correctly evaluated what he was up against. I
deplore all the abuses of power which took place but I challenge one and all
to submit the PROOFS that everything which took place while Pinochet was
president can be attributed to him. Further: have you considered that
Pinochet returned the country to democracy and civilian rule? Doesn't that
mean anything to you who condemn him? Further: will the crucixion of Pinochet
restore the detenidos/desaparecidos? Will it contribute to the welfare of the
country? I believe the "verdict" should be left to History, not to
the courts and certainly not to people who have not lived the Chilean
experience directly. For the record: when Pinochet convoked a plebiscite in
1988 seeking support for eight more years as president, I voted a loud NO!
Pinochet was the man who came to dinner...and stayed too long, but he is NOT
the monster he has been made out to be. Forget Communism: Pinochet did save
the country from self-destruction. The situation here is sad. We need people
to help, not people who hate. You don't have to cast your vote for Pinochet
but, Judge not that thou shall not be judged! gevillab: In
response to the comments made by Mr.Billikopf4 I agree that only those who
have actually lived and experienced the situation in Chile during the time in
question can truly comment on the facts. That is the only thing I can agree
upon. I am a 65 year old Chilean born who was present in Santiago during the
coup and for many years thereafter and therefore have more than enough first
hand knowledge of the situation. First of all, Mr.Billikopf4, in case you did
not know, Chile's presidential elections, unlike those of the United States,
were decided by direct vote. At the time of the 1970 election there were
three candidates, and if you were here in those days you will remember that
it was the candidate for the conservative (right wing) party who published a
one page advertisement in a reputed newspaper in Chile stating that in the
principle of Chilean democracy, the candidate with the most popular votes,
even if it was by one vote, would be confirmed by the congress as president.
This had been done for over 100 years in Chilean history. You say Allende won
by 38% but you fail to mention that he was the candidate that received the
most popular votes. He beat his two opponents in a legal and free election.
Secondly, you would have to be blind to not realize, after so many
revelations by the US government today, that the US played a major role in
Chile. As a matter of fact, President Nixon's famous words regarding Allende
can be found on tape in US Congressional records and I quote: "that
(referring to Allende) SOB will never become president of Chile". The US
at the time controlled most countries in S. America due to its policy of
" containment", dating back to the end of WWII. Third, what
communist threat?? Were you even in Chile?? I consider myself a conservative
but open minded person and yet I cannot agree with a Public Relations
campaign run by the US and the right in Chile, which talked about Soviet
ships off our coast, or that Allende's government was going to ship off all
our children to Cuba. Please! Communism has traditionally only been present
in less than 5% of the total population. Fourth, regarding proof that Mr.
Pinochet himself is responsible for all these terrible actions against his
own countrymen, did he or did he not say in the eighties that not one leaf of
a tree moved in Chile without his knowledge? And, what other proof do you
need when you can see that General Arellano, who commanded a group of military
men and DINA (the Chilean SS) officers to murder people throughout the
country during the first months of the coup, was later awarded medals of
honor and promoted along with his officers. So, Mr.Billikopf4, you wanted the
opinion of a Chilean eyewitness? You got it. Pinochet knew perfectly well of
all the atrocities committed in his name. Also he did not save this country.
It is not widely known, but available in CIA records, that the Pinochet
regime received millions of dollars in loans, projects and other funds only
days after the take over. Pinochet didn't save Chile, the US's money did. mdmills: A comment
on the comment by gevillab. It is correct that in the 1970 election the
Socialist candidate Salvador Allende won more votes than either the
Conservative candidate Alessandri or the Christian Democrat candidate whose
name I have forgotten (Tomic?). As no candidate won a majority, the
parliament had to choose between the two leading contenders, Allende and
Alessandri. The Christian Democrat deputies were subjected to massive
intimidation by Allende supporters; basically they were told that if they did
not cast their votes for Allende there would be a violent revolution. In the
end the Christian Democrats voted for Allende as the lesser of two evils, and
that is how he became president. Certainly he was democratically elected in a
purely formal sense, but the massive intimidation exercised by his supporters
to get him elected detracted from the legitimacy of his administration.Given
his questionable legitimacy, Allende would have been wise to proceed with
caution, so as not to antagonise the 62% of the population who had not voted
for him and his radical policies. However, he did not act wisely, and he
instituted a program of radical economic measures that brought the country to
near ruin. Furthermore, he encouraged or at least permitted his more radical
supporters, eg the Miristas, to commit illegal acts by force of arms, such as
the widespread land-seizures in the south, thereby destroying commercial
agriculture. These land-seizures were very similar to the recent violence in
Zimbabwe that has been condemned by world opinion.Given Allende's toleration
of the violent and illegal acts committed by his more radical supporters, the
suspicion must remain that he would not have accepted defeat at the next
election, but would have resorted to revolution to remain in power. After
all, he had threatened a revolution in the context of the 1970 election.The 1973
military coup that brought Pinochet to power was certainly illegal and
violent. But it needs to be remembered that illegality and violence had been
introduced into Chile by the supporters of Allende. Before 1970, the country
had had a long history of moderate constitutional rule, unique in Latin
American history. It was Allende who destroyed that tradition, not
Pinochet.The kidnapping and murder of some 3000 "desaparecidos" was
an atrocity, but the number of victims was relatively small, particularly by
comparison with the "dirty war" in Argentina, where the military
suppressed left-wing and Peronist terrorism with great brutality. The Chilean
military acted with relative moderation. Furthermore, the victims were for
the mopart not innocent civilians, but radical activists who had committed
illegal and violent acts. It would have been better if these people had been
brought to trial rather than summarily executed, and no doubt some of them
did not deserve their fate. But it was a form of "rough justice".Protestations
that Pinochet's regime destroyed the "culture" represented by the
poet Victor Jara miss the point. Poets, song -writers and other
"intellectuals" have often supported the most vicious and
repressive dictatorships, especially those of the Left. One need only think
of Ilya Ehrenburg in the Soviet Union. texmln: It's clear
that NONE of you who condemn Pinochet know the history of Chile or the
context in which Pinochet came to power. I highly doubt that most of you have
ever even been to Chile. What you see in the media of Europe and North
America is a totally inaccurate portrayal of the circumstances and of Gen.
Pinochet. The media reports we see about Pinochet today are the equivalent of
portraying Hitler as a saint. They are that wrong about the man, the country,
and the situation that gave rise to the coup. Where were you when the Chilean
Communist party withheld food staples from its own citizens, only giving food
to those who joined the Party? Where were you when government supported
leftists took over schools, burned books, and locked out students because
they we not learning Communist ideology? Where were you when Soviet and Cuban
agents began appearing in Santiago in the early 70's to assist with the
conversion to a Soviet dominated Marxist state? You weren't in Chile,
otherwise you would understand what Gen. Pinochet's efforts were all about.
The people that lost their lives during Gen. Pinochet's reign were
unquestionably enemies of the state. They posed a clear and present danger to
the free thinking citizens of Chile and I applaud Gen. Pinochet for
eliminating them as he did while also managing to build the most successful
economy in South America. Contrary to what you THINK you know about the
world, it is sometimes necessary to kill those who pose a threat to your
freedom and your way of life. That's why wars are fought. Mr. Pinochet saved
many thousands more lives by his actions. Lives that would have otherwise
been lost to civil war or murder by a Marxist regime. Don't be fooled into
thinking that Allende wasn't well on the road to doing the same thing to his
opponents, only on a much broader scale. Go read a full and accurate history
of this country, Allende, and Pinochet and see what the European and American
media doesn't want you to know. jzmirak: Pinochet
did as much to save his country from destruction as Lincoln did to save the
Union. Yes, both of them violated their Constitutions, both arrested men
without trial, both silenced freedom of expression, both fought bloody wars
against revolutionaries who had some legal claims to legitimacy. Only those
who fail to see in Communist slavery at least an equivalent evil to race
slavery will excuse Lincoln's abuses, and condemn Pinochet's. Lincoln was
murdered by an angry, little man aligned with the defeated side; perhaps
Pinochet will be hounded to the grave by such homounculi. May he take comfort
in what he has achieved, if not in how men will remember it. Our
own contribution: MrQ: It's the same old story. A great economic reformer uses
the extreme measures needed in a third world country, then when the people get
relatively prosper they hear about what so called human rights and kill him.
Most views added here are from people outside the third world and think
democracy is the issue. It's not; actually poverty is. Simply democracy would
hinder any real reforms. Gen. Pinochet was an extremely daring reformer who
hired 12 of Chicago School graduates to be his cabinet. It's a historic
achievement to do such ambitious and radical reforms 'by the book' and with
such successful results. Just remember that all great reformers in poor
countries were right-wing dictators. Spain, Turkey, Korea, Singapore are
among other countries. Even the case could apply to the 19th century Germany
or Japan. Actually the only thing I might dream about for many countries is a
Pinochet! Contribute to the forum or... Add your
opinion here. [ تحديث : 25 فبراير 2004 : أميركا
تعظ الشرق الأوسط بالديموقرطية ، فيما يسمى بمبادرة الشرق الأوسط الأعظم،
بينما هى الأولى تماما بأن تتعظ بأن الديموقراطية هى أسوأ نظام حكم على وجه
الإطلاق . اقرأ مدخل صفحة الإبادة المثير
الذى يقترح عليها ، وعلى كل الغرب ، أن يجعلوا من تجارب فرانكو
وچنرالات النمور وپينوتشيت المثال الذى يحتذى ، إن أرادوا لأنفسهم أمما
قوية عسكريا وذات اقتصادات فائقة الكفاءة ! ] . …
الجديد : 8 نوڤمبر
2000 : جرت اليوم انتخابات المرحلة الثالثة لمجلس الشعب المصرى ( البرلمان ) والتى ضمت العاصمة
القاهرة . رغم أن حزب العمل الواجهة الرسمية لجماعة الأخوان المسلمين قد تم
وقفه عن النشاط منذ أزمة رواية وليمة لأعشاب
البحر وتحريضه على القتل والعصيان فى مايو الماضى ، إلا أن الإذاعات
الأجنبية امتلأت بشكاوى المرشحين من أعضاء هذه هذه الجماعة المحظورة أصلا منذ
مطلع الثمانينيات من محاصرة الشرطة لمواقع التصويت بل ولقرى بكاملها واعتقال
أعوانها ...إلخ . الحقيقة أن الأمر ينطوى على مفارقة فريدة فالحكومة تنتهج
سياسة منفتحة تجاه كل الأحزاب وترحب بكل الفائزين منها وتقنن طريقة الانتخاب
لتكون نزيهة بالكامل ، لكن يؤرقها فى ذات الوقت أن تستفيد تلك الجماعة
الخارجة على القانون من ذات الشىء . الحل بسيط فى رأينا ولن نكرر ماقلناه
مرارا من أن الديموقراطية هى أسوأ النظم إطلاقا بالذات مع الشعوب الجاهلة .
نقول أنه طالما هناك إصرار على هذا النظام المسمى بالديموقراطية فلنرجع قليلا
لأصوله . إن الأصل والهدف فى الديموقراطية كما قنن لها منظرو النصف الثانى
من الألفية المنصرمة هو أنها تحصيل للعقول وأن مجموع فكر مليون عقل أفضل من عقل
واحد . الحادث الآن وليس فى مصر فقط هو أنها محصلة للإنفعالات والغرائز ،
ولا وظيفة للساسة إلا التحريض ومداعبة الغرائز والإنفعالات . إن من الممكن
قانونيا ودستوريا بمنتهى البساطة العزل السياسى لكل الذين يلعبون على أوتار
الغريزة والتحريض وبالأخص وترى الدين والصراع الطبقى دون أن يعنى هذا أى انتقاص
من الديموقراطية ( دع جانبا مفارقة أخرى أن هذين الفريقين وبالذات الدينى
منهما لا يؤمنان أصلا بالديموقراطية ويلغيانها بمجرد الوصول
للسلطة ! ) . نفس الكلام يسرى على مثيرى غرائز الوطنية والقومية
فهى أيضا تحريض محض لا يستند للمصلحة قدر استناده لإثارة غرائز الكراهية لدى
الجموع . وبعد ... لاحظ فقط أننا هذه المرة لا ندعو
للديكتاتورية بل لمزيد من الديموقراطية ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : فى الأسبوع التالى عقد
اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية المصرى لقاء موسعا مع قيادات وضباط الشرطة
بهدف توجيه الشكر لهم على جهودهم خلال الانتخابات ، وفى كلمات لا تخلو من
الصراحة حيا فيهم تحديدا ’ منعهم التيارات غير الشرعية من الحصول على مقاعد
تزيد عن حجمها الحقيقى ‘ ، وذلك طبقا للتعبيرات التى استخدمها .
لا شك أنهم يستحقون الشكر وتحجيم التيارات الدينية عمل رائع بطبيعة الحال ،
لكن مسألة الحجم الحقيقى كما قلنا لا تحددها الشرطة بقدر ما هو وعى الجمهور وعدم
تأثره بالتحريض الدينى ، ولأن هذا لم يتوافر بعد فإن الحجم الحقيقى لجماعة
كالأخوان المسلمين يمكن أن يصل بسهولة لدرجة الأغلبية ، ومن هنا لا يجب
الاكتفاء بجهود الشرطة وحدها مهما كانت فعاليتها وضرورتها ، والبداية
بالطبع هى مكافحة وحظر مظاهر التدين العلنى وهى سياسة ممكنة بل وفعالة حقا
وطبقتها بنجاح كبير أكثر من دولة فى المحيط غير البعيد ولا تحتاج فى الواقع
لأكثر من إرادة سياسية لوضعها موضع التنفيذ . أيضا نحذر للمرة الألف من
الرضوخ دعاوى المثقفين البريئة أو دعاوى أنصار حقوق الإنسان السمجة ،
والمؤكد يقينا وبلا مواربة أو تحذلقات أنك لو أعطيت الديموقراطية للشعب فإنه سيعطيها للأخوان عند أول ناصية لسببين : الأول أنهم أولياء الصالحون الأطهار
ممن لا يسرقون أبدا فى الحياة الدنيا ووساطتهم نافذه عند الله فى الحياة الآخرة
الأبقى ، وثانيا لأنه لا يريد هذه الديموقراطية أصلا ويريد إراحة الجميع من
هذا الصداع ومسئولياته للأبد ] .
11 ديسيمبر
2000 : متابعة للصندوق الخاص بتجربة تشيلى أعلاه :
بأسرع من كل التوقعات أصدرت محكمة استئناف شيلية اليوم نقضا للحكم الصادر قبل
تسعة أيام ضد الچنرال پينوتشيت بالقتل والخطف وأنه وراء ما كان يسمى قافلة الموت
وهى المجموعة الأسطورية التى كانت تتنقل بطائرة هليكوپتر خاصة للتخلص من أعداء
الإصلاح . المواجهة لا تزال تنتظر جولة أخيرة فى المحكمة العليا الأمر الذى
قد يمر بسلام أو ربما يحتاج لتحرك آخر من قادة الجيش كالذى حدث فى الأيام
الماضية . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 20 ديسيمبر 2000 : بالفعل وبسرعة صدر اليوم حكم المحكمة الدستورية العليا فى تشيلى بعدم
شرعية اعتقال الچنرال پينوتشيت ، وتأييد حكم محكمة الاستئناف قبل تسعة
أيام . عمليا على الأقل ربما يكون هذا القرار هو الإغلاق الأخير لملف
الچنرال پينوتشيت من النواحى القانونية ، فقط ليبقى ملفه مفتوحا فى كتب
التاريخ ، إن لم يكن مفتوحا للمزيد والمزيد من التمحيص لملفات التجربة
الشيلية الفائقة فى التحديث فى مختلف بقاع العالم الثالث بالغة الحاجة لمثل تلك
النهضة الثورية الملهَمة والملهِمة بكل المعايير ] . 1 يناير 2001 : لا حديث لمصر اليوم
إلا أحزمة أمان السيارات . خلت الشوارع تقريبا طوال اليوم من السيارات لأنه
اليوم الأول لتطبيق القانون الجديد للمرور ، والكل خائف بطريقة كاريكاتورية
من العقوبات الصارمة للمخالفات الجديدة والقديمة معا . فقد شددت الغرامات
المالية على المخالفات المعمول بها من قبل وأضيفت مخالفات جديدة كعدم استخدام
أحزمة الأمان أو استخدام الهاتف الخليوى أثناء السياقة أو عدم ارتداء خوذة
الموتوسيكل ...إلخ . من يعرف مصر جيدا لا يمكن أن يتخيل قط الصورة التى
بدا عليها هذا الشعب اليوم ، وهو شعب لا يوجد فيه من لا يتباهى بكسر قواعد
وإشارات المرور باعتباره جزءا من المكانة الإجتماعية ، أو يتباهى بقدرته
على شطب المخالفات فى شرطة المرور كجزء من الفساد الذى يعشقه السبعين مليون
مصريا فردا فردا . لقد بدت القاهرة اليوم كلوحة سيريالية لسلفادور دالى حيث
الانضباط المفرط من الجميع وكأن الوحوش المتخايلة قد انقلبت بين ليلة وضحاها جرذانا
آوت إلى الجحور . المفارقة التى تعجبت لها أنا شخصيا ليست هذا الانضباط
بقدر ما هى عدم وجود شائعات تقول أن السبب وراء القانون هو استيراد ابن هذا
المسئول أو ذاك لشحنة أحزمة يريد تصريفها ! أخيرا نذكرك أننا نكتب هذا فى صفحة لا تكن إعجابا
جما بالتسيب والتميع واللعب على الحبال سواء على الصعيد السياسى أو الصعيد
الاجتماعى ، وما حدث اليوم ما كان بالحدث الذى يمكن لهذه الصفحة تفويته أو
التغاضى عن مدلولاته ! ما أجمل الالتزام ، ولا نملك سوى تحية تلك
العملة النادرة جدا فى هذا البلد وهى الإرادة ، الإرادة السياسية ،
إرادة التغيير ، إرادة النظام ، أيا ما كان اسمها . إنها الحزم
الذين توافر فى رجل شاذ واستثنائى اسمه اللواء حبيب العادلى وزير
الداخلية ، ليثبت مرة أخرى ( وإن كانت هى المرة الأولى فى مصر فى حدود
علمى الشخصى ) أن كل شىء ممكن بالحزم والصرامة . لا نملك سوى تحيته
وتمنى المزيد ! اكتب رأيك هنا 5 يناير
2001 : مدلول عابر من اجتماع عقده الرئيس الأميركى المنتخب چورچ بوش اليوم
مع قادة البيزنسات التقنية العالية الكبرى فى أميركا . الجديد هو المقارنة
مع اجتماع مشابه تماما عقده الرئيس الحالى بيل كلينتون قد ثمانى سنوات بالضبط
بعيد انتخابه الأول . هناك جعله كلينتون مؤتمرا مفتوحا فى ليتل روك أمام
الكاميرات ، أما هنا فقد كان الأجتماع خلف أبواب مغلقة فى بلدته أوستين ولم
يرشح شىء عما دار فيه . نعم إن قرارات التقنية والبيزنس ليست من أشغال
العلاقات العمومية أو بالشىء الذى يجب أن يعرفه كل الناس ذلك أنه ببساطة أكثر
تعقيدا من أن يفهمونه . الطريف أن بعض الصحف الأميركية تذكرت اليوم تعليق
لارى كينج صاحب برنامج السى إن إن الأشهر Larry King Live قبل ثمان سنوات على
مؤتمر ليتيل روك ، إذ قال أنه لا يخشى سوف من منافسة برنامج واحد هو Bill Clinton Live ! اكتب رأيك هنا 30 يناير
2001 : فى أجرأ خطوة من نوعها منذ تأسيس الولايات المتحدة نحو التحول إلى
دولة دينية صريحة أو ’ إعادة اختراع الحكومة ‘ طبقا لشعاره الأصيل
والذى لم يعد مبهما بالمرة منذ الآن ، أعلن اليوم الرئيس چورچ بوش عن خطته
للتوسع فى منع الأموال الفيدرالية المخصصة للأغراض الاجتماعية للمنظمات
الدينية . رغم تأكيدات الرئيس أن الأموال لن تستخدم فى الدعاية الدينية
نفسها وستعطى بناء على كفاءة الأداء الاجتماعى للجمعية طالبة الدعم ، إلا أن
عاصفة هائلة من ردود الفعل ثارت ضد القرار ، بل المفاجأة أن جاء أغلبها من
هيئات دينية تشككت بقوة فى إمكانية وضع معايير عادلة لمنح هذه الأموال !
الحديث القديم–الجديد هو المخالفة الصريحة لهذا القرار للتصليح الأول للدستور
الأميركى ، ويذكرون بأن نتائج الخطوة المتواضعة جدا لدى المقارنة بتعديل
قانون الرفاه سنة 1996 المسمى بـ ’ خيار الصدقة ‘ charitable choice الذى تبناه السيناتور المتطرف دينيا چون آشكروفت ( النائب
العمومى الجديد حاليا ) ، لا تزال متداولة أمام القضاء فى أكثر من
ولاية ، وكلها يبرهن على فساد الجمعيات الدينية وأساليبها المنحرفة فى
استخدام الأموال الفيدرالية لأغراض الدين والتربح معا . لا أحد يملك الحكم
بما ستسير إليه أميركا فعلا ، لكن المؤكد أنها وصلت لنقطة مفترق
الطريق . من ناحية نقول دوما إن الشركات هى قوة التقدم الحقيقية بفرض
استجابتها بل وحاجتها المتواصلة للعلم والتقنية والابتكار ، وأن أميركا
لديها حفنة من أعظم الشركات التى كونها البشر فى كل تاريخهم ، ونقول إن
أميركا تملك من القدرة والثراء والثقة بالنفس بما لا يجعلها فى حاجة للعب بورقة
الدين . لكن من ناحية أخرى هناك جبروت آليات تحلل الحضارة تحت تأثير حمض
الدين . فهل سيجد العلماء الشركات العابرة للجنسية ضالتهم خارج الولايات
المتحدة ، ويصبح القرن الأميركى اسما على مسمى وينتهى بانتهاء القرن
العشرين ؟ أيضا بما أن الدساتير أشياء يكتبها البشر فهل من المسلم به أن
التصليح الأول للدستور الذى اعتبر دوما القلعة الحصينة لليبرالية والحريات سيظل
حقيقة أبدية خالدة ، أم أن الأرجح أن نسمع يوما عن التصليح الأول للتصليح
الأول ؟ ما نؤكده فقط أنه لو وصلت الأمور لهذا الحد فسيكون التصليح الأول
والأخير معا ! اكتب رأيك هنا 21 مايو
2001 : صدر اليوم الحكم بسجن الدكتور سعد الدين
إبراهيم [ تحديث : 17 يونيو 2001 : اليوم
عممت النيو
يورك تايمز نظرية مطولة للغاية عن سعد الدين إبراهيم ، تخلص إلى أن
جريمته الحقيقية هى الحديث العلنى فى أحد البرامج التليڤزيونية عن مسألة
خلافة الرئيس مبارك . والتى اعتبرت نوعا من الخيانة الشخصية ، من شخص
طالما اعتبرته أسرة الرئيس مبارك صديقا شخصيا لها . لا تعليق معين ،
سوى أنه أيا كان الأمر ، فإننا نكرر أن جريمة العبث بالانتخابات النيابية
جريمة لا يمكن أن يغفرها التاريخ ، إذا ما استيقظنا بفضل هؤلاء أنصار
الديموقراطية وحقوق الإنسان ونزاهة الانتخابات …إلخ ، لنجد الإخوان
المسلمين يحكموننا . بالطبع نحن لا نحب أيضا العبث بالانتخابات من الناحية
الأخرى ، أى من طرف الحكومة ، لذا فالموقف النزيه ‑إن لم يكن
الوحيد الفعال والحضارى‑ هو مواجهة الجميع بضرورة إلغاء كافة صور ما يسمى
بالديموقراطية ، إذا كان لها أن تسوق البلاد بعيدا عن طريق التحديث ،
والانخراط فى عجلة الجلوبة والاقتصاد العالمى …إلخ . نعم هذا هو لب
الموضوع ، وليس تلك الشكليات المستوردة من نظم أخرى تختلف شعوبها عن
شعوبنا ، ناهيك عن أنها أصلا فاشلة ومكلفة عندهم رغم ذلك ] . [ تحديث : 14 أغسطس 2002 : إعادة
المحاكمة وتثبيت ذات الحكم قبل أسابيع قليلة ، أدى اليوم لأزمة كبرى بين
مصر وأميركا ، نتيجة قرار الأخيرة صرف النظر عن طلب مصر لمعونات
إضافية . اقرأ فى صفحة الجلوبة ] . 28 يناير
2002 : أقيم فى القاهرة بدءا من أمس الأول
وينهى أعماله اليوم ، مؤتمر دولى لحقوق الإنسان بعنوان ’ الإرهاب
وحقوق الإنسان ‘ . نكتة أم ماذا ؟ منظمات حقوق الإنسان التى
طالما اعتبرت مصر بلدا لا يتورع يوميا عن انتهاك حقوق الإنسان ويعذب الإسلاميين
فى سجونه ، يقيم مؤتمراته بها فجأة ، وليس فى عواصم الديموقراطية
وحقوق الإنسان . لعل المانع خيرا ؟ الواقع ليس خيرا بالمرة ،
فالواضح أن أنصار أو أدعياء تلك الفكرة ، بدأت تضيق بهم الدنيا ،
وتكشفت للعالم الغربى ولاءاتهم الحقيقية ، وأنهم زملاء خندق واحد مع كل
المخربين وقطاع الطرق المارقين على الحضارة . لقد قلت من قبل إنى لن أستغرب
بالمرة أن خصصت قوات الشرطة فى أميركا أو غيرها فرقا خاصة لملاحقة وقتل أنصار
حقوق الإنسان عبر العالم . فقط إن غدا لناظره قريب ، والخطوة القادمة
فى اعتقادى تقع على عاتق دونالد رامسفيلد ، أن يعلن أنصار حقوق الإنسان عبر
العالم جيشا من ’ المحاربين غير القانونيين ‘ ، ويرسل وراءهم
الفرق الخاصة لقنصهم وإردائهم قتلى ، أو لشحنهم إلى جوانتانامو . المهم فى البداية قالوا طبقا لما أوردته الشرق
الأوسط إنه للدفاع عن سجناء جوانتانامو ، ثم جاءت أخبار الشرق الأوسط
والحياة وإذاعة البى بى سى العربية بعد ذلك لتقول إنه مظاهرة عالمية أخرى للهتاف
للفلسطينيين وشجب الإسرائيليين لا أكثر ولا أقل . الشىء الوحيد الجيد فى كل
هذا أن الصحافة المصرية بما فيها حتى الأهالى اليسارية ، وبعد ، هل عرفت لماذا أسموا المؤتمر
’ الإرهاب وحقوق الإنسان ‘ ؟ الإجابة سهلة خالص : إنهم
يدافعون عن الاثنين معا ! اكتب رأيك هنا
30 يناير
2002 : اليمين قادم ! هذا ببساطة ما خلص إليه تقرير
شامل اليوم للنيو يورك تايمز عن كل أوروپا . قبل عام تقريبا تنبأنا وقلنا إن هذا وضع طبيعى آت لا محالة ،
أما اليوم فهو يلوح كواقع ملموس يتكاثف فى شوارع القارة المنكوبة بيساريتها
لقرنين من الزمان . نحن نعلم أن التسعينيات كعقد احتكره اليسار ،
قد أفضت سياساته الاقتصادية لكساد عالمى مروع ، وأفضى تسامحه الاجتماعى
والدينى الزائد إلى أن جرى ما جرى فى 11 سپتمبر 2001 . ونعلم أن كل هذا قد
بدأ بالتداعى بفوز چورچ بوش بالرئاسة فى
أميركا قبل عام من الآن ، ثم فى خلال أسابيع فى 6 فبراير 2001 بفوز آرييل شارون برئاسة الوزارة فى
إسرائيل . ثم تسارع الإيقاع بفوز سيلڤيو
بيرلسكونى الكبير فى إيطاليا فى
لم يكف اليسار الأوروپى عن حشو القارة بالمهاجرين
المسلمين ومنحهم المواطنة كى يكونوا قاعدة انتخابية له . المشكلة ليست فى
الانتهازية ، إنما فى الغباء ، فى كونهم أول من سيُحل دمه .
وبسرعة أصبح واضحا لأعين الجميع أن
إسقاط العصابة الشيوعية التى تحكم أوروپا ( تحت اسم الدلع الجديد
الاشتراكية الديموقراطية ) ، وترعى نمو قوى التخلف والظلام العربى
والإسلامى فيها ، لم يعد مجرد مسألة ديموقراطية أو صراع حزبى ، بل بات
ضرورة موضوعية إن لم يكن مسألة حياة أو موت لاستمرار القارة كجزء من الحضارة
الغربية ، أو أن روما تنهار تحت معاول العبيد الذين استجلبتهم ( هذا إن استجلبنا نحن ذات العبارة التى قلناها ذات صباح فى سپتمبر الماضى ) . وفعلا
توالى فوز اليمين فى كل من النرويج فى سپتمبر ، ذلك فى أسوأ هزيمة
للاشتراكيين فى ثمانين سنة ، ثم فى الدنمرك فى نوڤمبر ، أيضا فى
نصر لا يقل سحقا . وأقل ما يمكن
وصف العالم 2002 وما بعدها بأن أيام الثورة
الثاتشرية‑الريجانية قد استؤنفت ! التقرير المذكور لا يتناول هذه الإرهاصات ،
بقدر ما يركز على الفترة التالية ، أى مستجدات ما بعد سپتمبر 11 ، ومن
ثم توقعات العام الجديد . ويرصد نموا سريعا وبالغ الوضوح لليمين ، على
الأقل لمواقفه الصارمة ضد الهجرة والجريمة
والإسلام . التقرير يرصد النمو الفاحش فى الشهور القليلة
الماضية لأحزاب ما أصبح يسمى ’ ما
بعد‑الفاشية ‘ Post-Fascism ، ذلك فى كل من ألمانيا وإيطاليا وبلچيكا وهولاندا والنمسا والدنمرك
زائد الدول الاسكندناڤية . من الآن فصاعدا أضبط تردد أذنيك على أسماء
نجوم الفاشية الآتية أسماؤهم ، والذين يلاقون جماهيرية إعلامية هائلة منذ
سپتمبر ولا تكف عن التصاعد ، خاصة وأن أغلب مواعيد الانتخابات ستستحق خلال
العام 2002 : القاضى المحلى من هامبورج رونالد شيل فى ألمانيا ، ربة
البيت الدنمركية پيا كيارسجآرد ، مدرس الجامعة پيم
فورتواين فى هولاندا . هل لاحظت أنهم جميعا هواة
لا علاقة لهم بالسياسة ، يصعدون على طريقة الأفلام السياسية
الأميركية ، مع فارق واحد فقط : أنهم يمينيون ؟ ! التقرير يتوقع أن سوء الحظ الذى لاقى يورج هايدر فى النمسا أو چيانفرانكو فينى فى
إيطاليا ، قد لا يكون بنفس السوء لأى من هؤلاء ، أو لنجوم أكثر رسوخا
مثل چان‑مارى لو پان أو چان‑پيير شيڤينمان
فى فرنسا ، فى المرات القادمة ( الأول هو أول
وأهم يمين حقيقى فى تاريخ فرنسا منذ الثورة الفرنسية ، وأفكاره التى بدأت
بمجرد معاداة المهاجرين والعرب ، تتبلور فى طريقها لنظرة أكثر جذرية حضاريا
وتقنيا ضد قوى التخلف فى المجتمع الفرنسى والعالم . والثانى يسارى لكنه
يرفع شعارات مختلطة بعضها بالغ اليمينية فيما يخص الهجرة مثلا ، ولعله يريد
تكرار تجربة يمننة بلير لليسار البريطانى ، وما أسفرت عنه من مصالحة مع
قطاعات البيزنس زائد نجاح ساحق انتخابيا ) . إذا لم يفز الفاشيون فى فرنسا ، وهى البداية
الوحيدة لحل إشكالية عمالة فرنسا للتخلف العالمى ممثلا فى العالم الثالث ،
وخيانتها للحضارة التى يفترض أن تنتمى لها ، أو بالأحرى مجرد ترخصها كدولة
فاشلة اقتصاديا فى البحث عن المكاسب والأسواق والصداقات ، فعلى الأقل سيفوز
چاك شيراك على رئيس وزرائه اليسارى فى الانتخابات الرئاسية القادمة ( أنت
تعلم أن شيراك يمينى بالمعايير الفرنسية جدا ، وباعتبار فرنسا الوريث
الشرعى للشيوعية ‑أو سمها الأم الشرعية لو شئت ، فيمينها يقف على
اليسار من كل يسار العالم ! ) . [ اقرأ اشاراتنا السابقة عن
فرنسا فى صفحة الثقافة ككل ، وهى
للأسف وفيرة ] . المؤكد أيضا أن سيستمر اليمين الإسپانى فى
الحكم ، سواء أعاد أزنار ترشيح نفسه أم لا . والسؤال فقط هل ستبرز فى
الفترة القصيرة القادمة قيادة فاشية إسپانية بديلة أكثر عزما وصفاء فى
الرؤية . هزيمة ساحقة لصالح اليمين تنتظر المستشار جيرهارد
شرويدر فى ألمانيا عندما يقترع الناخبون فى سپتمبر القادم . والمنتصر هو
اليمينى الصاعد بسرعة الصاروخ إدموند
ستويبر . إلى هنا تنتهى توقعات التقرير . والنتيجة
المنطقية بعد كل هذا أن نذهب للتفكير فى أن الصبغة اليسارية للاتحاد الأوروپى نفسه ، سوف تتفكك إن
آجلا أو عاجلا ، والأرجح عاجلا جدا . ليبقى بعد كل ذلك السؤال الكبير : ما هو مصير شيخ الإسلام تونى بن بلير ؟ لا شىء فى
الأفق حتى الآن . هو نفسه اعتبر طفرة كبرى لحزب الكادحين البريطانى نحو
اليمين ، قفزت به رغم يساريته كحزب بريطانى إلى يمين كل أوروپا ،
وليصبح الحليف الأول لأميركا فى مساعيها لإعادة ضبط العالم . لكن بعد بوش
وشارون ، وتأكيدا بعد 11 سپتمبر أصبحت بلد تشرتشل وثاتشر تتضرع بالضرورة
إلى يمين حقيقى كى يحل محله . كل تلك المستجدات المثيرة على الساحة
الأوروپية ، سيكون لها فعل العدوى سريعا ، ولا يعتقد أن بلير سيستمر
طويلا كنغمة نشاز فى العالم الغربى ، وسوف تكتب قطعا نهايته
المحتومة ، بأسرع مما يبدو عليه الأمر الآن .
ليس غريبا أن كانت إيطاليا السباقة فى وصول فاشييها
الجدد ممثلين فى حزب الشمال للحكم ، كجزء من الحكومة الائتلافية الحالية
لما يسمى يمين الوسط . فحسب المقولة الأوروپية الشائعة ، إيطاليا هى
مهد اختبار الأفكار الجديدة فى أوروپا . فى أكتوبر 1922 صعد الفاشيون
( والكلمة يقصد بها حملة صولجان القيصر فى روما القديمة ، والمغزى
الحضارى للتسمية واضح ) للحكم ، وذلك وسط تأييد شعبى كاسح وضع حدا
لإضرابات العمال والشغب وغيرها ، وحقق ازدهارا اقتصاديا لم تعرفه إيطاليا
من قبل فى تاريخها المعاصر . القدرة وعسكرة المجتمع وحشد طاقاته من أجل
النمو الاقتصادى كانت فى طليعة الأهداف الفاشية ( أول فيلم فاشى L'Armata Azzurra ’ الجيش الأزرق ‘ كان عن السلاح الجوى الذى كان يتباهى به
موسولينى كثيرا ) . وبحلول منتصف الثلاثينيات كان النظام الفاشى قد
وصل لذروة عنفوانه من رخاء اقتصادى واستقرار سياسى ، بل ووصلت طموحاته لحد
بعث فكرة الإمپراطورية من جديد ، وقام بالفعل بغزو أثيوپيا فى أكتوبر
1935 ، وقد كانت كل مستعمرات إيطاليا التاريخية لا تتعدى ليبيا من
قبل . وسط هذه المعنويات العالية لم تكن هناك حدود للطموحات أو الأفكار أو
الخيالات . من الأمثلة التى يعرفها المثقفون جيدا وصارت جزءا من الفلكلور
الثقافى للعالم أن دعا موسولينى وزير ماليته الكونت چيوسيپى ڤولپى دى
ميسوراتا ، وكلفه بفكرة لم تخطر ببال أحد من قبل ، وهى تجميع الفرق
الموسيقية والأفلام والمسرحيات لعرضها فى مناسبة احتفالية تماما كما يفعل
الفنانون التشكيليون فى معارضهم ومسابقاتهم . هذه هى بينالى ڤينيسيا
الأشهر حتى اليوم عالميا . وهى تمديد لمؤسسة أخرى تأسست سنة 1932 ،
لتكون أداة لهذا المجد الجديد ، هى بدورها أول مؤسسة من نوعها فى العالم
كله ، هى ’ مهرجان ڤينيسيا السينمائى ‘ ، أول مهرجان
سينمائى على وجه الأرض .
نهضة شاملة وعظمى ، لكن كلنا يعلم كيف ولماذا
لم تسر الأمور على ما يرام . الشطط فى محاربة الأقليات بدون تفريق لم يكن
بالسوء فى إيطاليا بقدر ما وصل به الحال فى الوليد الجديد الأكثر شراسة وتطرفا
فى ألمانيا . ليست إبادة اليهود وهم قوم رفيعو التعليم أكفاء تقنيا متمكنون
ماليا وتجاريا ، وعامة مفكرون مبتكرون ومبدعون فى شتى المجالات ، أسوأ
ما فى الأمر . الأسوأ منه هو أن وضع العرق الآرى نفسه فى وضعية العدو لجميع
الأعراق حتى لو كان الفارق فى التقدم طفيفا للغاية بينها . ربما كان مقبولا مثلا موقفهم المزدرى لفرنسا
والفرنسيين ، لكن ما كان بوسع أحد تقبل فكرة أن يتسيد العرق الآرى العرق
الإنجليزى الذى ابتدع الثورة الصناعية نفسها وبرمتها . كان هذا تطاولا
وفحشا ما بعده فحش ، وكان لا مفر من أن يتصادم
صفوة العالم فى أشنع صدام شهده القطاع الأكثر تقدما فى البشرية فيما بين بعضه
البعض ، أو ما اصطلح على تسميته بالحرب العالمية الثانية . بعبارة
أخرى : هتلر بدون تحدى الأنجلو ودون كراهية اليهود ، كان زعيما عظيما
مؤهلا لصنع أوروپا أرقى بما لا يقاس ، على الأقل مقارنة بالاتحاد الأوروپى
الحالى . المهم : لقد بدأت فعلا
المسيرة نحو فاشية القرن الحادى والعشرين . بدأها رامسفيلد وشارون ،
وقدما النموذج الناضج الواعى الذى لا يشط ولا يخطئ الحسابات ، والأهم لا
يعرف إلا النصر ، وها هى أوروپا تندفع إليها الآن بكل الحماس الممكن .
سوف تنتهى فى سنوات قليلة تلك الحقبة السخيفة الكئيبة والمؤقتة المسماة
الديموقراطية من حياة الكوكب ( مستر فوكوياما ، هل
تسمعنى ؟ ) . قبل نهاية هذا العقد سيسود
العقل والعلم ومعايير التقدم والحضارة والتنافس الليبرالى الدارونى . فى
حدود المتوافر من أدبيات فاشية القرن الحادى والعشرين ، نكاد نجزم أنها
تحمل قدرا كبيرا من النضج ، أو على الأقل خالية تأكيدا من غباوات فاشية
القرن العشرين . نعم ، فاشية القرن العشرين حققت طفرات اقتصادية عظيمة
لمجتمعاتها ، ألمانيا ، إيطاليا ، إسپانيا ، وغيرها ،
لكن بعضها وبالأخص تلك التى قادها أدولف هتلر كان لها حماقاتها القاتلة .
فبأى معيار كان قتل المثليين واليهود شيئا تقدميا ، والأسوأ : بأى
منطق كانت محاربة جيران لا يقلون تقدما ؟
لا شىء من كل هذا سيحدث هذه
المرة : لا مجال لأن يا صفوة العالم تحاربوا . فقط الكل موحد تحت
الشعار الحضارى رقم واحد : يا صفوة
العالم اتحدوا . لن تباد الأقليات لمجرد أنها أقليات ، ولن تتم
مثلا تسوية اليهود كأقلية ثرية متعلمة متقدمة ، بالكثير من الأقليات
والشعوب التى تتمرغ فى التخلف بسعادة مطلقة . القوانين الأوروپية حسمت
بالفعل هذا التعريف الصحيح للعرقية ، والذى لا يساوى قطعا بين الأقليات
المختلفة . الفاشية الجديدة ستستهدف فقط طلائع التخلف التى استعصت على كل
محاولات التحديث والعلمنة ، وبالأخص العرب والمسلمين ، وسوف تنجح فى
القضاء عليهم دون توترات كبيرة ، وبإجماع من كل الحضارة الغربية وحلفاء
الشرق الأقصى وروسيا والهند . لكن المهم أنها حين تفعل هذا سيكون من منظور
التقدم والتخلف ، ومن منظور التقدم والتخلف فقط ، أى من منظور حضارى
محض ، وليس من قبيل الانفعالات والكراهيات العرقية أو التقزز من الميول
الجنسية غير المستقيمة وهلم جرا ( پيم فورتواين نفسه مثلى جنسيا ، لا
دليل أكبر من هذا على أن الفاشية الجديدة شىء مختلف تماما ) . إن هؤلاء
هدف صحيح جدا سوف تصوب الحضارة سهامها إليه ، ويعادل استهداف فاشية القرن
الماضى للشيوعيين عن حق .
بالنسبة للغلطة الفتاكة
الثانية ، الشواهد تؤكد أن لا مجال ولا طموح لفاشية القرن الحادى والعشرين
لشن حروب بين الدول المتقدمة بعضها البعض . سوف توجه كل الحروب والجهود
للقضاء على التخلف والأمم الرافضة للتقدم خارج العالم الأول . والضمانة
الجديدة والأهم لأن لا مجال للشطط هذه المرة هو أن كل الحضارة الغربية ستكون
فاشية . أخيرا الحديث التقليدى الممل وعديم الجدوى الموجه
لشعوبنا التى ستفتقد من الآن فصاعدا تصريحات زعماء أوروپا ، وهى الشىء
الوحيد الذى يرفع معنوياتها حاليا ، والشىء الوحيد الذى يعول عليه كل
التعويل ساستها ورؤساء صحفها ويرسمون عليه خطط المستقبل ، ذلك بنفس طريقة
اللعب على الحبال القديمة بعد اكتشاف أن حبل بلير‑شيراك ( وأحيانا
شيمون پيريز ) يصلح أن يكون بديلا جيدا عن حبل بريچينيڤ‑ماو
القديم فى مراوغة أميركا ، بينما الحقيقة أنها جميعا الخواء عينه . كل
هذا ناهيك بالطبع عن افتقاد هؤلاء الكلى للخيال فى تصور أوروپا الجديدة التى لن
تتعاطف معهم بالتصريحات بل ستشن عليهم حروبا مسلحة بعد شهور قليلة فصاعدا .
شعوبنا الحبيبة : فقط قليلا من المجهود فى
تخيل ما سوف يكون عليه العالم فى نهاية هذا العام ، وساعتها ستغيرون خططكم
وأچنداتكم وإنشائياتكم . الصدر الأوروپى الحنون فى طريقه للزوال تماما كما
اختفى نظيره السوڤييتى ، وها هو العالم كله وقد توحد خلف رؤية واحدة
وحيدة رامسفيلدية‑إسرائيلية
ترى الأمور لأول مرة بالطريقة الوحيدة التى يجب رؤيتها بها : التقدم ضد
التخلف . أو لم يحن وقت الإفاقة من غيبوبة قوقعتنا الصماء وإحساس الأمان
الزائف داخلها ؟ ألم يحن وقت أن ندرى ببعض مما يجرى حولنا وبما تقرر لنا من
مصير ، ولا ننتظر حتى يداهمنا ونرد عليه ببيان شجب وولولة منتحبة
آنذاك ؟ ألم يحن وقت أن ندرك أن العالم المتقدم فهم وبلا رجعة بعد 11
سپتمبر أنك لو تركت المتخلفين فى حالهم فلن يتركوك هم فى حالك ، وسيهجمون
عليك بالطائرات المتفجرة وجيوش المهاجرين الجوعى والمتدينين ونهمى
التكاثر ، كلها معا ؟ ألم يحن وقت أن نفكر بشىء من التواضع من الآن
فصاعدا فى أنه إذا كان من حقك أن تكون
متخلفا ، فإنه ليس من حقك أن تستمر متخلفا للأبد ؟ نعم ، إن الحضارة فى خطر
داهم ، وها قد جاء دور حملة صولجان الامپراطورية . أما أنتم يا حملة
الصولجان ، إليكم نقول إن احتفالنا فى 31 أكتوبر المقبل بالذكرى الثمانين
بأول وصول للفكر الفاشى للسلطة سيكون احتفالا خاصا جدا هذه المرة . لكن إلى
أن يحين هذا لا يوجد لا شىء نحن أكثر ثقة فيه الآن ، من أن القرن الحادى
والعشرين سيكون قرنا رائعا ، وأن أبناءنا سيتمتعون بالإثارة بالعيش
فيه ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : بعد يوم واحد : يبدو
أن شهيتنا قد انفتحت فجأة للحديث عن الفكر اليمينى ، الذى أصبح فجأة شغلا
شاغلا للكثيرين . اقرأ كلاما أكثر قاعدية وسردا تاريخيا ومفهوميا لقصة صراع
اليمين واليسار فى صفحة الثقافة ،
ذلك تعقيبا على تساؤلات لبعض الزوار ] . [ تحديث : 21 أپريل 2002 : أول
الغيث : تابع بالأسفل فوز چان‑مارى لو پان
بالدور التمهيدى للرئاسة الفرنسية ، وانقلاب الخريطة السياسية الفرنسية فى
أهم تغير من نوعه منذ هوجة الباستيل ! ] . [ تحديث : 2 مايو 2002 : صعود
رائع لليمين الفليمى Flemmish فى بلچيكا . لمدة عشرة أيام حتى الآن
( حسب البى بى سى ) ،
تتوالى المظاهرات الحاشدة المؤيدة لحزب الكتلة الفليمية برئاسة فيليپ
ديووينتر ، الداعى لتطهير بلچيكا من الأجانب العرب والمسلمين ، أو على
الأقل استقلال المناطق الناطقة بالهولندية ( الفلاندرز ) عن بلچيكا
التى يرونها بلدا محتلا ] . [ تحديث : 6 مايو 2002 : يد
آثمة تصرع پيم فورتواين بست رصاصات فى رأسه . تابع القصة بالأسفل ] . [ تحديث : 18 ديسيمبر 2002 : عودة لإيطاليا ، حيث عممت الجارديان اللندنية اليوم
قصة حول الصراع على تحديث المناهج الدراسية فى مادة التاريخ ، ما بين
الپرلمان الإيطالى ، وما بين قوى اليسار ، التى تريد الإبقاء على
التاريخ المزيف الحالى والمعادى للفاشية كما هو سموما تلقن للإطفال حتى آخر
الزمان . يقود العصابة الشيوعية هذه المرة الكاتب الروائى أمبرتو إيكو ( صاحب
اسم الوردة التى لا ينكر أحد أنها رائعة لأنها ضد الدين ) . يقولون إن
ما تريده حكومة پيرلوسكونى هو رقابة ، ويشبهونها بهتلر وستالين
وسوموزا . أما الحكومة فتقول إنها تحرير لعقول الأطفال من النظرة الماركسية
للعالم التى تهيمن على التعليم . ويقول المؤرخ مارشيللو ڤينيزيانى
إنها ليست رقابة ، إنما تحرر من الرقابة . ما لاحظناه مثلا من ثورة فى مهرجان
ڤينيسيا السينمائى والذى كان معقلا دوليا للشيوعية ، فبات مهرجانا
للجمال والمتعة ، يؤكد أن بيرلوسكونى شخصيا ينزل بكل ثقله هو نفسه ،
حين يتعلق الأمر بتحرير الثقافة . والمؤكد بالتالى أن كتب الأطفال سوف تشهد
قريبا بعضا من رد الاعتبار الموضوعى لموسولينى ولدوره العظيم فى بناء إيطاليا
المعاصرة ، وسوف تشهد كثيرا من التقييم الموضوعى للتجربة الشيوعية ،
والتى انتهت لخراب واندحار دراميين ، كما يعلم الأطفال أنفسهم أيا ما كان
ما تقوله كتبهم الدرسية الآن ! ] . 25 فبراير
2002 : أقر الرئيس چورچ بوش اليوم
فى هذا موقف رائع من ثلاث زوايا : أولا : كسر هالة القداسة حول حرب
العقاقير ، وهى ‑ كما أفضنا مرارا‑
أمر كلى العبثية ، بل مضر وغير حضارى . هذه هى المرة الأولى التى يحدث
فيها هذا من جانب الحكومة الأميركية ، بل من ولاية administration جمهورية يفترض فيها ميلا
دينيا متزمتا بدرجة أو بأخرى . ثانيا : أنه مؤشر لسيناريوهات النهضة التى
عادت ممكنة فى العالم الثالث بعد 11 سپتمبر ، وبالأخص من خلال النموذج
الأفجانى . بشىء من التقريب نقول إن حامد كرزاى هو پينوتشيت الجديد .
لا حاجة بالضرورة لشخص ذى إرادة حديدية يتحدى كل العالم ويثير الجدل والتساؤلات
بتصرفاته المتفردة ، ويتحمل منفردا المسئولية والمخاطر الجسيمة لتحديث
بلاده ، إنما سيتولى النهضات من الآن فصاعدا أشخاص تختارهم أميركا
بنفسها ، وتتحكم فيهم تحكما لصيقا ، ومن ثم تثق فيه بشدة . هذا
سيلغى الشعارات الهبلاء البلهاء عن الديموقراطية وحقوق الإنسان ، حيث ستكون
يد أميركا فى النار ، وليست فى الماء كما يقولون . ستراقب من كثب وليس
من برج عاجى ، وستفهم جيدا الضرورة الحتمية للإجراءات القمعية من أجل
التنمية وتحقيق الإصلاح الاقتصادى ، بل وربما ستمارس هذا القمع والتصفيات
بنفسها من خلال قواتها المتواجدة فى الدولة الساعية للنهضة . ثالثا : أن أخيرا أصبحت تحكم أميركا اعتبارات
المصلحة لا الشعارات . اكتب رأيك هنا
1 مارس 2002 :
الشرائط التى كان ريتشارد نيكسون قد أمر بتسجيلها لغرض شخصى
محض ، هو الانطباع الأول والأهم والأوحد ، هو معدن
القيادة النادر لهذا الزعيم بمعنى الكلمة . وبما أننا صدرنا هذه الصفحة
بكلمة لمارجاريت ثاتشر عن القيادة ، فيتوجب القول إن أول مقومات القيادة
الحقة هو
لكن لا شىء فى هذه الأشرطة يفوق موقفه خلال هذا
الاجتماع المؤرخ 25 أپريل 1972 ، مع قضية استخدام السلاح النووى لحسم حرب ڤييتنام ،
بينما هنرى كيسينچر يجلس أمامه كالتلميذ الخائب أو مجرد يهودى آخر طيب القلب
يتحدث عن الضحايا المدنيين ، ويتلقى التقريع طوال الوقت . أخيرا يصيح
نيكسون به : ’ إنهم لا
يهموننى اللعنة I don't give a damn ‘
… ’ كل ما أريده أن تفكر بكبر I
just want you to think big ‘ . ’ فكر
بكبر ! ‘ يا له من شعار يصلح فورا لصفحة الإبادة عندنا . فقط تخيل ‑عزيزى
القارئ‑ أن كانت الشيوعية قد خرجت مهزومة من حرب ڤييتنام ، هل
كان العالم سيكون نفس العالم ؟ أطرف ما فى الأمر أن نيكسون كان يعلم أن كل هذا
الكلام أشبه بعرض علنى يستمتع بأدائه أمام الجمهور . ومن النماذج الطريفة
مكالمة له مع أحد القضاة المحافظين يخبره فيها برغبته فى تعيينه بالمحكمة
العليا ، ويطلب منه تحديد اسم القاضى الذى يتوجب قتله حتى يخلو المكان .
رد القاضى بلباقة أن هذه الملحوظة تعد جريمة تآمر من الناحية القانونية ،
ويتمنى لو أن مكتب التحقيقات لا يسمعهما ، فإذا بنيكسون ينطلق فى سرد قائمة
طويلة للجهات التى تستمع للمكالمات التى تجرى عبر هذا الخط تحديدا ! نعم ، ما أحوج العالم اليوم بعد أن هيمن عليه
الغثاء اليسارى عقودا بل قرونا أن ’ يفكر بكبر ‘ . هذا هو درسك
الكبير يا معلمنا الكبير !
نحن شخصيا قطعتنا المفضلة من حياة هذا الرجل ، هى يوم فكر فى إعلان
الأحكام العرفية وتعليق الدستور إبان مظاهرات الطلبة . نعم هذا ما سيذكره
التاريخ يوما : إن الكونجرس لا يحتاج لأكثر من دبابة تغلق بابه ، وقد
كاد نيكسون أن يفعلها ! هذا الزعيم المنقذ الملهم
والسابق لعصره بعقود كاملة ، والذى ‑ويا للمفارقة‑ جاء للسلطة
فى ذات 1968 ، العام الذى وصل فيه المد اليسارى العالمى لأقصى ذروة له منذ
بدايته بهوجة الثورة الفرنسية التى اخترعت كلمة يسار قبل قرنين ، كانت
أقداره أن يقضى على الديموقراطية الأميركية ، ويخلص تاريخنا الحضارى بعلومه
وتقنياته وشركاته ومستقبلياته منها ، ويجفف للأبد منابع الجمهورية ،
ويعيد التاريخ السياسى لأصوله التاريخية كما نظر لها فلاسفة اليونان : حكم
الصفوة العالمة القديرة . لكن هذا الطموح المذهل لم تسعفه الوسائل ولا
الوقت ولا خيانة بروتس ولا تقاعس الجميع أو قل خوار عقولهم على الفهم ،
فقضت هى عليه ، وانتصر الغثاء والدونية من جديد . تلك كانت ستصبح قفزة
بالكوكب للمستقبل لا تقل عن قرن كامل ، لكنها وكما كل مسيرة البشرية :
فرصة مهدرة أخرى ! نعم : لأن أميركا بلد
ديموقراطى فإن لها سقفا من التقدم لن تتخطاه . من هنا إن آجلا أو عاجلا
سيعترف التاريخ بريتشارد نيكسون كأعظم من تولى منصب الرئيس الأميركى لأنه ببساطة
الوحيد الذى حاول اختراق هذا السقف . [ ملحوظة شخصية : كثير من القراء
يصفون هذا الموقع بالماكياڤيلية ، لكنهم لم يحدث أن لاحظ أحدهم قط أن
اسم ماكياڤيللى لم يذكر فيه ولو لمرة واحدة . هذه هى المناسبة التى
سأذكر فيها السبب : إن هذا الموقع غير معنى كثيرا بسير الملائكة الوافدين
لزيارتنا من كوكب القرون الوسطى ! أو ببعض الجد فإن تاريخ ما يسمى بالپراجماتية
فى السياسة والفلسفة هو تاريخ حافل ولا يقتصر على ماكياڤيللى رغم شهرته
وفصاحة رؤاه ، بدأ اقرأ مقتطفات
من الأشرطة … أو ملخصا
لها … أو زر موقع الأرشيف القومى الأميركى …
أو تسلى بدراما الووترجيت من الواشينجتون
پوست حيث كيسينچر أبرز المرشحين لدور الخائن بروتس أو فى قول آخر الحلق
العميق ( طبعا إلى أن يحين موعد الإثارة الكبرى عند الإفراج عن أشرطتها ! )
… اكتب رأيك هنا
21 أپريل
2002 : تاريخ : الكل
يسميه زلزالا ، وبالنسبة لنا مجرد نبوءة تكرارية مملة
اعتاد عليها موقعنا ! لو پان يفوز فى الدور الأول لانتخابات
الرئاسة الفرنسية ، ويدخل الدور الثانى منافسا لچاك شيراك ، بينما
مرشح اليسار خارج اللعبة تماما . قلنا مرارا وتكرارا
إن وضعية الاسفين التى تطعن بها فرنسا الطابور الخامس الخائنة ظهر الحضارة
الغربية منذ الثورة الفرنسية ، لا يمكن لها أن تستمر طويلا . فقط من
منطلق أن لن يصح إلا الصحيح ، تنبأنا بهذا قبل سنوات فى سياق الحديث عن الشكل
المحتمل للترتيب العالمى الجديد ، ثم قبل شهور
توقعنا صعودا مؤكدا لليمين فى إطار تهاوى اليسار الأوروپى ككل ، وإن لم
نحدد لأى مدى سوف يذهب فى بلد لا شك أن سيكون آخر قلعة لفلول اليسار فى
العالم . ثم قبل أسابيع
ضاق ذرعنا فتمنينا لو أن قصفت پاريس بالقنابل النووية حيث التعويل على التغيير
الديموقراطى فيها مضيعة للوقت . أما اليوم أنباء جيدة : فوز چان‑مارى لو پان أهم حدث من نوعه فى
التاريخ الفرنسى منذ نكبة هذا البلد بما يسمى الثورة الفرنسية قبل أكثر من
قرنين ، حدث يبشر لأول مرة بما يمكن أن نسميه الجمهورية السادسة :
اللا جمهورية ! صحيح قد تتحالف فلول اليسار لإنجاح شيراك فى الدور
الثانى ، لكن أحد لا يعرف بعد شكل الحكومة القادمة ووزن اليمين الحقيقى
فيها ، ثم أن المسميات تغيرت اليوم إلى الأبد : الديجولية التى كانت
تسمى يمينا وهى فى الحقيقة يسار متطرف سيصبح اسمها الوسط أو ربما اليسار .
الاشتراكيون ممن كانوا يسمون يسارا وهم يسار متطرف جدا ، باتوا فى عزلة
باردة وقاتلة فى الركن القصى الخاص بحفريات الطيف السياسى ، وبلا تصنيف
أصلا . وأخيرا ولد فى فرنسا ما يمكن تسميته حقا باليمين : حزب الجبهة الوطنية
بأطروحاته الحضارية لتنظيف فرنسا من المهاجرين ، أو كما توقعنا أعلاه لن ينتهى عام 2002 ، إلا بزوال الحكم
اليسارى البغيض عن معظم أوروپا ، ومن ثم يصبح الكوكب كله نارا تحت أرجل
العرب والمسلمين ، وعامة كل المتخلفين واللاعبين على حبال أنه عالم متعدد
الكتل وليس كوكبا تقدميا واحدا موحد وحازم القيادة والرؤية . سيفتح لو پان
لهم المزيد من السجون ، وسيعيد عقوبة الإعدام ، كمجرد البداية لإعادة
إدماج فرنسا فى العالم المتحضر ، وهذا ليس كلامنا بل كلامه ، فهو
يراها بلد هيمن عليه اليسار وتوطن فيه التخلف . وربما لا يحتاج للفوز
بالرئاسة بالضرورة ليحدث هذا ، فقد يجد حزبه قريبا موقعا مؤثرا فى ائتلاف
حكومى ، أو حتى فقط فى الجمعية القومية ) .
ربما بدأ
على أنه رغم كل شىء ، ستظل هذه الانتخابات
شاهدا على أول وآخر لمحة ذكاء فى حياة چاك شيراك زعيم كل تخلف العالم ( ذو
ابتسامة التخلف العقلى التى لا تفارق وجهه أبدا ، والذى وصفه لو پان بأنه لا
يصلح إلا للربت فوق ظهور الأبقار فى جولاته الريفية . بل ربما بالأحرى
البلاهة على وجه كبير اليسارجية بحرى وقبلى لا بد وأن تذكرنا تلقائيا بشبيهتها
لدى كبير الرحيمية فى الأفلام المصرية القديمة ! ) ، كانت أن فهم
وقال هذا علنا ، إن الخطر يأتيه من لو پان وليس من چوسپان . من ثم فقد
قاد حملة ضغط شعواء هائلة على عمد القرى البالغ عددهم 36 ألف عمدة ، حتى لا
يكمل لو پان الخمسمائة توقيعا المطلوبة . وقد كانت تلك الحملة من الجنون
والاستماتة لدرجة أن كاد يفلح فيها . فالتوقيعات ليست شيئا صعبا فالمطلوب
فقط توقيع عمدة واحد من كل 72 عمدة ، ومرشحو الرئاسة وصلوا إلى إلى رقم هو
ستة عشر جمع كلهم التوقيعات بسهولة ، إلا لو پان لم يكملها إلا قبل إغلاق
باب الترشيح فى 2 أپريل الحالى بسبع ساعات فقط ! رغم كل شىء ، وسواء فاز لو پان أو فاز شيراك
واندفع بقوة على طريقة تونى بلير نحو مواقف أكثر يمينية بمراحل ، وهو أكثر
الاحتمالات ترجيحا فيما يقال حاليا ، لا سيما مع فقدان ما يسمى باليسار
للأغلبية الپرلمانية ، ومن ثم تشكيل حكومة موالية لشيراك . أى بمعنى
آخر إلى أن تأتينا الأيام بشىء قوى جدا يغير رأينا ، فموقفنا لم يتبدل
كثيرا : فرنسا فى حاجة لمحرقة
نووية لتطهيرها من آثام ثورة 1789 أم كل ثورات وكل كوارث العالم فى العصر
الحديث ، وأسوأ ما شهد العالم منذ كارثة ثورة اخناتون صانعة كل كوارث
العالم القديم وظلماته . ورينا الهمة بقى يا عم دونالد ! شىء واحد فقط يقال فى هذا اليوم الذى عادت روح
أرسطو لتظلل فيه العالم : أهلا
بعد طول غياب أيتها الحضارة ، وإلى مزبلة التاريخ أيتها
الديموقراطية ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : بعد يومين : كل
عبقريتنا وسرحاننا فى الخيال هنا وقبل هنا لم تصل للتنبؤ أن الزلزال اليمينى
الذى يجتاح أوروپا ، سوف يمس العرب فى الصميم فى أقل من 48 ساعة ،
وليس بحلول 2003 كما اعتدنا على التوقع !
التفاصيل فى صفحة الإبادة ] . [ تحديث : 26 أپريل 2003 : اختار
لو پان ابنته مارين لمنصب نائب رئيس الحزب . الفكرة هى إعادة إقامة الجسور
المتقطعة مع المثقفين والإعلام . لا يمكننا الحكم على شخصيتها أو مواهبها
أو حتى أفكارها ، لكن المؤكد أن هذا تحديدا ( بعيد هزيمة
العراق ) ، هو الوقت المناسب تماما للطرق على أدمغة هؤلاء الذين تحجرت
عقولهم على مقولات اليسار . شىء آخر مؤكد أنها لن تقدم أية تنازلات تخص
القضايا المحورية ، ومنها العبارة التى نقلتها عنها النيو يورك تايمز مساء
اليوم بخصوص ذهاب الفتيات المسلمات بإيشاربات للمدارس : My God! There are 100 countries in the world where they could
practice their Muslim ways. Go to the country that corresponds to your way of
life. This is common sense. [ تحديث : 17 ديسيمبر 2003 : متابعة كبيرة منذ شهر فى صفحة سپتمبر ، لقرار شيراك بمنح
المسلمين الفرنسيين 8 بليون دولار مكافأة لهم على قتل اليهود . ثم قراره
اليوم بسن قانون يحظر على المسلمات ارتداء الحجاب ، ويحضهم على ارتداء
المصحف وكف فاطمة ( ! ! ! ) . لو پان وأطروحاته
الحضارية هى الحاضر الحاضر فى كل هذا . فإلى هناك ] . 30 أپريل
2002 : يجرى اليوم الاستفتاء على الچنرال مشرف رئيسا للجمهورية الپاكستانية
لمدة خمس سنوات قادمة . هل تعرف ما هو برنامجه المعلن جهارا نهارا خلال
الحملة الانتخابية فى الأيام الماضية ؟ إنه ببساطة تعريف جديد لكلمة
زعامة . لأننا كتبنا الكثير عن مشرف فى صفحة الحضارة ، مثلا هنا وهنا ، فسوف نتابع هناك أيضا تفاصيل قصة اليوم
المثيرة على نحو ما بعده إثارة . [ تحديث : 21 أغسطس 2002 : مشرف
يدخل اليوم
29 تعديلا على الدستور الپاكستانى ، أبرزها أن يؤمن لنفسه سلطة حل الپرلمان
عندما يشاء . أميركا قررت أن لا تعلق على الأمر . نحن
أيضا ! ] .
6 مايو 2002 :
يد آثمة تصرع پيم فورتواين بست رصاصات فى رأسه .
الجانى غير معروف الهوية بعد ، أو حتى هل هو بن لادنى أم لأى معسكر ماضوى
آخر ينتمى [ اتضح بعد يومين أنه بيئوى ، ولحسن الحظ أن هذه الصفحة
اعتادت أن لا تفرق كثيرا بين أيديولوچيات
الدهماء الكبرى بعضها البعض ، وأن موقعنا ككل يرى أمر عالمنا المعاصر برمته لا يعدو مجرد صراع القشة
الأخيرة للإنسانية فى مواجهة ما بعد‑الإنسان ] . مع ذلك هناك بعض الأشياء المؤكدة : أولها
بركان الحب الذى تشهده هولاندا حاليا نحو من يمكن اعتباره أشهر صعلوك فى تاريخ السياسة الهولاندية إن لم يكن
العالمية . من مدرس جامعة أقليمى مغمور مثلى جنسيا
إلى رمز كاريزمى للصراحة غير المسبوق وغير المسبوقة فى دنيا السياسة ،
ودعوة بالغة القوة لسد أبواب هولاندا أمام جحافل التخلف المهاجرة ، ونقد لا
مواربة فيه للإسلام والمسلمين ، أقلها دعوته الشهيرة لتعليق لافته على جميع
موانى ومطارات هولندا باختصار هذا الرجل الذى قال يوما إن الاسم الأكثر
جماهيرية للمواليد فى هولندا لم يعد يان ، إنما محمد ، هو عاصفة هزت
دنيا السياسة الأوروپية بكاملها ، كل ذلك فى أقل من ستة شهور [ بعد
أسبوع عممت النيو يورك تايمز تحليلا ضافيا
لشخصيته بقلم هولاندى ندعوك لقراءته لمزيد من التفاصيل ] . الشىء المؤكد الثانى أن مثلية
فورتواين الجنسية قد قلبت كليا وجه التاريخ الإنسانى ، وأسهمت إسهاما لا
يعادله إسهام آخر فى بلورة ملامح اليمين الجديد الذى سينقذ الحضارة الإنسانية من
مخاطر المتخلفين التى باتت تهددها فى مقتل ، وبلورة ملامح حربه المقدسة
القادمة . هذه المثلية حسمت مرة واحدة للأبد أن قوى الفاشية لن ترتكب
حماقات الماضى باضطهاد الأقليات لمجرد كونها أقليات ، إنما ستخوض حربا
حضارية واضحة الملامح : حرب التقدم ضد التخلف . الشىء المؤكد الثالث الشىء المؤكد الرابع أنه لا يمكن
احتواء الحضارة ! اكتب رأيك هنا
[ تحديث :
16 مايو 2002 : من إجمالى 150 مقعدا فى الپرلمان
ذهب 43 للتحالف المسيحى الديموقراطى ، و26 لحزب قائمة فورتواين ، و23
للحزب الليبرالى الذى انتخب قيادة جديدة الآن مؤكدا خطه اليمينى بعد أن تراجعت
جماهيريته لنحو النصف بسبب مشاركته فى الحكومة الحالية . حتى
اللحظة يعتقد أن الأحزاب الثلاثة ستشكل ائتلافا حكوميا يمينيا خالصا وبالغ
القوة . نعم ،
اكتساح هائل لليمين للانتخابات الهولاندية ، واندحار مذل لليسار بعد هيمنة
على مقدرات البلاد لثمان سنوات ، كجزء من المحنة الشاملة التى تعيشها
أوروپا ما بعد ثاتشر . نصر عظيم لا يقف عند حدوده المحلية ، بل سرعان
ما ستتوالى توابعه ، بحيث تتحرر كل أوروپا من ربقة اليسار وربيبه الإسلام .
وبحيث سيتعود العالم بعد قليل النظر لسيلڤيو بيرلوسكونى وآرييل شارون
وچورچ بوش ومن إليهم باعتبارهم اليسار فى عالمنا المعاصر ، وأن الوسط
واليمين هى أشياء أخرى لم يعهدوها قط من قبل . لا يقلل من قيمة هذا النصر بعض
الكلام عن تراجعات محتملة على صعيد التحرر الاجتماعى كبعض التقييد مثلا لحرية
العقاقير المطلقة الحالية . غالبا ما ستكون محدودة أو لا تكون بالمرة
( لا تنس موقف فورتواين الدارونى بالغ التقدمية من العقاقير حين قال [ تحديث : 23 نوڤمبر 2002 : مفاجأة ‑أو بالأحرى لا مفاجأة بالمرة‑ تكشفت الدوافع
وراء پيم فورتواين . إنه جزء من المؤامرة الإسلامية‑اليسارية
الأوروپية واسعة النطاق ، وليس مجرد الأفكار الخاصة لأحد المهوسين بيئيا
ممن يصفه البعض بالخلل العقلى . هذا ما ورد فى اعترافات هذا المتهم ،
التى حصل عليها المحققون الهولنديون أخيرا ، حسب السى إن إن اليوم .
اقرأ أيضا قراءة أندرو
سولليڤان لهذه النتائج ] .
14 مايو
2002 :
أصل هذه القصة ذكرناه قديما
قبل عام ونصف أيام الانتخابات الأميركية . لكن يظل هناك مغزى لأن التى هربت
هى السيدة الثانية بكل جلال قدرها . فقوى التمرد الشبابى أعتى من أن يمكن
كبحها ، لكن على كل ذى عينين أن يرى السبب . إن الشباب لم يعد يرفع
الكثير من الشعارات السياسية أو حتى الاقتصادية كما شباب الستينيات مثلا ،
وباستثناء قلة الشيوعيين المحترفين المعادين للجلوبة ، فالشباب الحقيقى أول
وآخر ما يهمه هو حريته الشخصية . اليمين الأميركى يقود العالم لعصر جديد
مقدام ، ما فى ذلك شك ، والشواهد تتسارع منذ 11
سپتمبر ، ما لم يكن منذ بداية ولاية بوش ونائبه
تشينى . والشباب ليس لديه شىء يذكر يعترض به على التوجهات اليمينية لا
للاقتصاد الأميركى ولا للسياسة الدولية ، لكنه لا يمكن أن يقبل من
السياسيين تزمتهم الأخلاقى ، الذى بات يستوى فيه اليمين واليسار كما ذكرنا أيضا أيام المزاد الدينى المسمى
الانتخابات الرئاسية الأميركية ( وبذات المدخل
المزيد عن ’ القديسة ‘ لينى تشينى ! ) ، أيضا قبل فترة
أطول كنا قد تحدثنا عن إيمينيم فى صفحة الثقافة ،
تحليلا له كظاهرة . ما حدث اليوم يحدونا من جديد لتكرار ذات المقولات
الأساس لهذه الصفحة من كون الليبرالية لا تتجزأ ، وأن على اليمين الذى يمثل
الليبرالية الاقتصادية أن ينفض عنه الملوث الدينى بكامله ، ويتبنى بوضوح
وحسم الليبرالية الاجتماعية والجنسية ، وعامة كل ما يمت للحريات الشخصية من
أساليب للزواج والميول الجنسية وحق الإجهاض والتحسين الچيينى للنسل …إلخ .
بدون هذا لا يمكن لأحد أن يدعى لنفسه أنه ليبرالى حق ، ولن يسلم أحد ‑عن
حق‑ من لسان إيمينيم الزلق . اكتب رأيك هنا 26 مايو
2002 : صوت جديد انضم اليوم
للثوة العالمية التى تأتى بقوى الحضارة ، أو ما يسمى اصطلاحا باليمين إلى
السلطة فى سنة التحول الكبير 2002 ! إنه ألڤارو أوريبى ڤيليز
الذى انتخب رئيسا لكولومبيا من الدور الأول فى سابقة تشبه الاستفتاء ، ومن
ثم أسقط على نحو مهين ريچيم الحكم المسمى بالوسط فيها . برنامج أوريبى
الانتخابى يتكون من مائة بند ، وقد اكتسب بعض الشهرة بسبب هذا العدد .
لكن الكل يعلم أن برنامجه الحقيقى يتكون من بند واحد : القضاء بالقوة المسلحة
على المتمردين المسلحين اليساريين . فرحة عارمة عمت البلاد ، واحتفل
الرجال والنساء بالرقص فى الشوارع وفوق السيارات طوال الليل . جانب كبير
منهم كما تدل الصور واللقطات التليڤزيونية ينتمى لجيل الشباب ( هل
يذكرك هذا بزعيم يمينى آخر ؟ ) .
أيضا نفس القصة تتكرر : مواطن شبه عادى لا
علاقة تذكر له بالسياسة يؤسس حزبا ، ويكتسح الانتخابات فى شهور
قليلة ! أو على الأقل هذه رؤية الناس له فهم يرونه سياسيا غير محترف ،
بل ويتجاهلون فترة انتماؤه السابق للحزب الليبرالى الحاكم ، قبل أن يؤسس
’ كولومبيا أولا ‘ حزبه الجديد . خريج أوكسفورد وهارڤارد ،
أوريبى سوف يجند كل إمكانات
البلاد من أجل هذه الحرب المقدسة ، فهذه هى الأوليات الصحيحة : إفناء
قوى اليسار هو الخطوة التى يبدأ بعدها فقط الكلام عن انطلاقة حقيقية
للتنمية ، أو بكلماته هو ’ علينا أولا استئصال الورم
السرطانى ‘ . أوريبى سوف يدعم الميليشيات اليمينية التى طالما اتهمت
بالتطرف والوحشية وانتهاك ما يسمى بحقوق الإنسان ، فهذه جميعا لغة قديمة لم
يعد لها وجود فى عالم اليوم . السفير الأميركى سارع بحماس بالغ لإعلان
تأييده للحكم الجديد . برنامج الدعم الأميركى سوف يتعرض للتغييرات
جذرية ، فأوريبى لا يريد طعاما ولا مستشفيات ، إنما يريد هليكوپترات
ومدافع ، ويريد قدوم الجيش الأميركى للتدريب أو ربما لما هو أبعد من التدريب ،
وهلم جرا . إن قوانين الليبرالية الجلوبة وإبادة التخلف
والمتخلفين ، التى أخذت دفعتها العظمى يوم 11 سپتمبر الماضى ، كسبت
إلى صفها اليوم إرادة حديدية جديدة ، انضمت بها ومعها لجيش الحضارة العالمى
الجديد الموحد . أو كما نقول فى كل مرة يحدث فيها مثل هذا فى هذه
الصفحة : لا تزال البقية الأهم لم تأت بعد ! اكتب رأيك هنا
15 أغسطس
2002 : الأمور تجرى مع أوريبى العصابات اليسارية ، أو ما
يسمى القوات المسلحة الثورية لكولومبيا FARC ،
لم تنتظر أصلا . يوم تنصيبه قبل ثمانية أيام شنت
هجوما بمدافع المورتار فى حى إل كارتوشو فى العاصمة بوجوتا ، إلى القرب من
موقع التنصيب أسفر عن مصرع 21 شخصا . وكان يستهدف أوريبى شخصيا ، الذى
نجا مثلما نجا من هجوم مماثل أثناء حملته الانتخابية . لا شك أنهم محقون فى
أنه أول خطر حقيقى يتهددهم فى حربهم هذه التى دامت 38 عاما حتى الآن . هو أيضا لم ينتظر . شكل حكومته بسرعة . غير كل قيادات الجيش والأمن الداخلى
بقيادات جديدة انتقاها بنفسه . ووضع امرأة لأول مرة فى التاريخ الكولومبى
على رأس وزارة الدفاع هى مارثا لوتشيا راميرز . ثم قبل ثلاثة أيام أعلن
حالة الطوارئ . هذه تمنح السلطات حق فرض حظر التجول والاعتقال دون محاكمة
وفرض الرقابة على الإعلام ، وأيضا فرض ما سمى ضريبة حرب ، وقدرها 1.5 0/0
على ذوى الممتلكات أكثر من 60 ألف دولار . أيضا أعلن أوريبى عن خطة لتجنيد
مليون مخبر . بعد هذه الإجراءات شهقت جماهيرية أوريبى إلى 77 0/0 ! أميركا أيضا لم تنتظر . بالأمس أرسلت تحت‑سكرتير الدولة مارك جروسمان على رأس وفد
كبير ، ليفتح فيما يبدو شيكا على بياض لأوريبى ، أوله مبلغ 800 مليون
دولار ، وموافقة على كل مطالبه من التسليح . وكان الكونجرس قد وافق فى
مطلع الشهر على تخويل الحكومة الأميركية تحويل أموال هذا الدعم والمخصص أصلا عبر
السنوات السابقة لمكافحة العقاقير ، لمكافحة المسلحين الماركسيين ،
ذلك دون الحاجة للرجوع للحكومة الأميركية . طائرات البلاك هوك وفرق التدريب
بدأت تتدفق فعلا .
منظمات ما يسمى بحقوق الإنسان
بدورها لم تنتظر . قوات التدريب الأميركية
والمليون مخبر ، زائد طائرات الهليكوپتر بالذات ، تلوح جميعا وكأن
أيام چنرال تشيلى العظيم پينوتشيت قد بعثت حية من
جديد . هذا الذى سحق اليسار بأقصى معايير القوة ، وخلق بدلا منه بلدا
عصريا قوى الاقتصاد ومحط إعجاب كل العالم وكل الكتب . هذه أشياء لا تعنى
منظمات حقوق الإنسان ، فإچندتها تحوى فقط بندا واحدا ، هو إبقاء راية
الماركسية اللينينية حية . قالوا إن ما يفعله أورويبى هو حرب قذرة .
كلمة مستهلكة كان آخر من وصمته هو دونالد رامسفيلد . ساعتها قلنا ، إن بن لادن وبن ماركس وبن ناصر
( عرفات ، من غيره يتحدث عن التحرر القومى اليوم ؟ ) ،
هم من اختاروا جعلها حربا قذرة ، وليس رامسفيلد أو أوريبى أو شارون .
ربما الصياغة معدلة قليلا هنا ، والسبب أن الحلف الشيوعى‑القومى‑الإسلامى
هو اللعبة الجديدة لمنظمات حقوق الإنسان عبر العالم كما
تعلم . يعتقدون أنه سلاحهم الأخير لقهر حضارتنا الرأسمالية الإمپريالية
عالية التقنية . ثم بقليل من الحرب الأهلية بعد ذلك ، سيتم التخلص من
رفاق اليوم ( التناقض الثانوى ) ، وتعود راية الاشتراكية
الماركسية لتخفق على العالم من جديد . اليوم قام أوريبى بتنصيب القادة
الجدد فى عرض عسكرى ، وبحضور كثيف من القادة العسكريين الأميركيين . موقع العرض هو قاعدة عسكرية كان قد هاجمها المسلحون اليساريون
بالتزامن مع وقت الهجوم على الپرلمان يوم 7 الماضى . جاءت راميرز بزى أحمر
قصير ، فكانت مشهدا ملفتا للغاية وسط الملابس العسكرية الداكنة . ألقت
خطابا ملتهبا يعبر بلا لبس عن كون ثمة امرأة حديدية تقبض الآن على دفة هذه
الحرب . خلال الخطاب كانت زوجة أوريبى الهادئة والبسطية جدا على
العكس ، تمسك بحنو وبعينين مغمضتين أغلب الوقت ، بيد زوجها الذى
لاحقته مؤخرا محاولات الاغتيال . أخيرا ألقى أوريبى نفسه بكلمته .
وبدا من الواضح أنه ليس خطيبا مفوها تقليديا ، وهذا شىء جديد رائع يؤشر
لماهية قادة العالم اليمينيين الجدد . فعلا هو خريج أوكسفورد وهارڤارد
ودودة كتب ، ومن ثم لم يرفع عينيه اللتين تغطيهما نظارة قصر نظر أنيقة من
الورقة الضخمة التى يرفعها أمام وجهه وكانت تحجبه حتى عن الكاميرات !
نعم ، أوريبى ليس بحال الدوتشى ،
لكن هذا لا يقلل من قدر زعامته قيد أنملة . لأن ليس المهم اليوم إلهاب
مشاعر الناس . المهم المحتوى ، ومخاطبة العقول . وفى هذا لا يمكن
إلا القول بأن ابن الخمسين من عمره لا يزال هو عينه الطالب النابغ القديم ،
ذكرنا بنابغى مدرسة شيكاجو الذين استقدمهم پينوتشيت وأعطاهم مطلق الصلاحيات
لبناء نهضة تشيلى المعاصرة ( اقرأ القصة أعلاه ) ،
ونقول أن لا شك أنه نجح فى اختبار اليوم بتقدير ممتاز . ببساطة وتواضع وفيما يخصنا نحن كعرب : الدرس الذى يجب على القادة العرب تعلمه من أوريبى
أن الوقت قد حان لحرب إبادة شاملة تقضى من الجذور على كل القوى الوطنية والقومية
واليسارية والإسلامية ، وأن لا أمل بالمرة فى التحول للحداثة أو الانخراط
فى الحضارة العالمية قبل إتمام هذه الخطوة بالكامل أولا . كما ترون السعودية نفسها مهددة بالطرد
من الاقتصاد العالمى بعد أن كانت أحد أعمدته ، إذا ما تقاعست عن إنجاز تلك
المهمة . نأمل فقط أن يتأملوا قليلا فى
لماذا تغدق عليه أميركا بكل هذا الدعم ، وتقتر فيه جدا ‑إن لم تنغص
وتضغط‑ فيما يخص بقية العالم الثالث . على الأقل ربما يجدون شيئا
مغريا ما فى الأمر ! العبارة التى ربما تخلد مما قاله أوريبى اليوم طبقا
لترجمة وكالات الأنباء لها ، هى : This is the time to produce results! . نعم إنها رسالة العالم المتحضر إلى كل
العالم اليوم ! ] . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 29 نوڤمبر 2002 : رسميا ، أعلنت اليوم قوات الدفاع
الذاتى المتحدة لكولومبيا United Self-Defence Forces of
Colombia (AUC) ،
وهى الميليشيات اليمينية القوية ، وقفا لإطلاق النار من جانب واحد .
ليس هدنة الكريسماس السنوية التقليدية ، بل وقف نهائى لإطلاق النار .
قرار شجاع من كارلوس كاستانو قائد هذه القوات ، رغم علمه بأن واشينجتون
تطالب برأسه بتهمة تهريب الكوكائين ( لا أحد فى العالم كله تقريبا ،
يعرف بعد لماذا لا تزال زراعة وتجارة العقاقير تهمة ؟ ) . المهم : تهانينا بالنصر
الجديد لأوريبى ولهذه الميليشيات أيضا . نعم ، أن يا صفوة العالم
اتحدوا ! ] . [ تحديث : 9 ديسيمبر 2002 : كولومبيا
باعتبارها رئيسا لمجلس الأمن سلمت اليوم
المستنسخة الوحيدة الخاصة بالمجلس للولايات المتحدة ، حيث تم نقلها من نيو
يورك لواشينجتون على الفور . كما قرر رئيس المجلس ، ممثل
كولومبيا ، أن تسلم مستنسخات كاملة
منها للدول دائمة العضوية الأربع الباقية ، ذلك دون الحاجة لانتظار حذف
المعلومات التقنية الخاصة بإنتاج الأسلحة . رغم أن هذا إجراء تنظيمى عملى
وجيد للتسريع باطلاع الأعضاء الأهم على التقرير ، وممن ليسوا فى حاجة
للاستزادة من إبداعات العراق التقنية العظمى ، إلا أنه منذ الصباح
والتحليلات العربية تثير غيظى وضحكى فى آن . يقولون پاول زار كولومبيا هذا
الأسبوع ومنحها معونات خصيصا من أجل هذا . خصيصا من أجل هذا ؟ يا لكم من
بؤساء ، لا تعرفون شيئا عن كيف تسير الدنيا حولكم ! معلهش ،
سامحهم يا رب علشان خاطرى ، إنهم لا يعرفون ماذا يفعلون ، ولا يعرفون
حتى أين تقع كولومبيا ع الخريطة ! أما أنت فلو يهمك الموضوع ، إليك نسخة من لائحة محتويات التقرير ، التى تمثل الصفحات الثمانى الأولى منه . باقى الـ 12 ألف صفحة لسه كمان شوية . صدام أفندى كعب الغزال ، يعتقد أن الأمم المتحدة ستحتاج سنوات لقراءتها . أوكد لك أن الملخص التنفيذى ، بل المشورة والرأى أيضا ، سيكون على مكتب الرئيس بوش غدا صباحا . برضه بؤساء ، لا يعرفون التقانات التى يعلمونها لتلاميذ المدارس هناك لقراءة النصوص الضخمة بأسرع ما يمكن ! ] . |
| FIRST | PREVIOUS | PART I | NEXT | LATEST |